لبذر الحب ، ويكتسون بجلود الأغنام. وليس لأحدهم زوجة خاصة به أو منفردة به. ففي النهار يرعون الماشية أو يعزقون الأرض ، وفي المساء يجتمعون ما بين عشرة الى إثني عشر رجلا وامرأة في كوخ وينام كل منهم مع التي تعجبه أكثر من غيرها ، ويستريحون وينامون على جلود الغنم. ولا يشنّون حربا على إنسان ، ولا يضع واحد قدمه خارج موطنه. بعضهم يعبد الشمس ويسجدون لها بمجرد أن يروها تنبثق من الأفق. والآخرون ، مثل أهل ولاتة ، يعبدون النار. وجماعة منهم نصارى على مذهب المصريين : تلك هي حالة أهل منطقة غاوغاو (٥). وقد حكم يوسف ، ملك مراكش ومؤسسها مع أقوام ليبيا الخمسة ، حكموا هؤلاء الزنوج وعلموهم الشريعة الإسلامية والمعارف الضرورية لسلوكهم في الحياة (٦). فدخل الكثير منهم في الإسلام ، وحينئذ أخذ تجار بلاد البربر يقصدون هذه البلاد لمبادلة مختلف السلع ، حتى إنهم تعلموا لغاتهم (٧).
وقد اقتسمت أقوام ليبيا الخمسة هذه البلاد إلى خمس عشرة حصة ونال كل من أقوام ليبيا ثلاثا من هذه الحصص. والحقيقة أن ملك تومبوكتو الحالي ، أبو بكر أسكيا ، هو من عرق أسود. وقد سمّي قائدا عاما لقوم سوني علي ، وملكا على تومبوكتو وغاءو وهو من أصل ليبي (٨) ، وبعد موت سوني على (٩) ، ثار أبو بكر ضد أبنائه وقتلهم. ثم أنقذ كل الأقوام الزنجية من أيدى زعماء قبائل ليبيا ، حتى إنه فتح بضع ممالك فى خلال ستة أعوام. وعند ما فرغ من نشر السلام والهدوء فى مملكته ، شعر
__________________
ـ الحالة ، ونحن نعرف فى أيامنا أن الحضارة السوداء ، والتى تعود لآلاف السنين تخضع لعادات محددة بشكل دقيق للغاية وهى متينة التسلسل.
(٥) إذا كان لهذا الخبر بعض الصحة ، فمعنى ذلك أنه كان هناك نصارى زنوج من القائلين بطبيعة واحدة للمسيح ، فى السودانى الشرقى. والمقصود هنا مملكة غاوغاو وليس مدينة غاءو.
(٦) لا يبدو أن يوسف بن تاشفين ومرابطيه قد واصلوا عملية الفتح السودانى بعد وفاة أبى بكر بن عمر ، ومهما كان عليه الأمر فإن دخول الزنوج فى الإسلام بصورة بطيئة ـ وهو لا يزال مستمرا حتى أيامنا هذه ـ يعود فقط لدعاة ولتجار مسلمين ، وقد كان هناك دوما نوع من عدم تداخل بين بربر الصحراء الكبرى الملثمين وبين الزنوج.
(٧) على عكس ذلك يبدو أن تخريب أوداغست وانهيار قوة مملكة غانة بفعل المرابطين قد ألحق أكبر الضرر بازدهار الطريق التجارى الغربى المار من موريتانيا الحالية.
(٨) هذه المعطيات خاطئة : فقد تطورت الممالك الزنجية فى الحقيقة تطورا ذاتيا. فالملك السونى على الذى فتح تومبوكتو حوالي العام ١٤٦٨ وانتزعها من ملك مالى ، كان ملك غاءو ، وهو سونغى من ناحية أمه ، ومانديغى من ناحية أبيه. وعلى إثر موته آلت السلطة إلى قائده العام ، وهو سونينكي ، من تكرور ، أى من قوم فوتا السنغالى ، والذى كان له اسم