وفي العصر الذي كانت فيه أقوام ليبيا تسيطر على المنطقة ، قام فيها مقر الحكومة الملكية ، وبالتالي ، كان لدى الكثير من تجار بلاد البربر عادة القدوم إليها (١٤) ، ولكن منذ عصر سوني علي ، الذى كان رجلا عظيما ، ترك التجار ولاته شيئا فشيئا وذهبوا إلى تومبوكتو وإلى غاءو ، حتى لقد أصبح أمير ولّاته فقيرا وبدون سلطة.
ويتكلم أهل هذه البلد لغة تدعى سونغاى (١٥). وهم أناس حالكو السواد وأدنياء ، ولكنهم لطاف جدا وخاصة مع الأغراب. ويدفع الأمير الذي يحكمهم إتاوة لملك تومبوكتو لأن هذا جاء مرة إلى هذه البلدة مع جيشه ، وحينئذ هرب أمير ولاته ، وعاد للصحراء حيث يوجد أهله. ورأى ملك تومبكتو أنه لن يستطيع السيطرة على البلاد كما يرغب لأن هذا الأمير ، المدعوم بأقربائه ، يستطيع أن يسبب له متاعب ، فاتفق معه على دفع ضريبة محددة. فعاد الأمير إلى ولاته ورجع الملك إلى تومبكتو (١٦). ونمط حياة أهل ولاته وعاداتهم هي نفسها التي نجدها لدى جيرانهم سكان الصحراء (١٧) ، ولا ينبت سوى القليل من الحب في هذا البلد : أى الدخن ونوع آخر من الحب مدور وأبيض اللون كالحمص ولا يرى مثله فى أوربا (١٨). وتعاني المنطقة من ندرة اللحم. ومن عادة الرجال والنساء أيضا أن يبقوا على وجوههم ملثمة. وكل تنظيم مدني مجهول فى المنطقة ، فلا يوجد رجال بلاط ولا قضاة (١٩). ويعيش هؤلاء الناس في حالة قصوى من الإملاق.
__________________
(١٤) فى الحقيقة يبدو أن الصحراويين أيولاتن ، وعند العرب ولّاته ، وهم فخذ من سوفة الدين كانوا فى المبدأ فى القسم الغربى من الصحراء الكبرى والواقعة إلى الشمال من هذه المنطقة ، لم يقومو بتحقيق خدمة القوافل التجارية العابرة للصحراء وقيادتها وحمايتها فحسب ، بل ساهموا كذلك فى حكم هذه المنطقة. ومنهم استمدت قرية بيرو اسم أيو ألاتن ، ثم ولاته الذى احتفظت به حتى نيسان (أبريل) ١٣٥٢ عند مرور الرحالة الكبير ابن بطوطه ، إذ كانت تحت حكم رجل أسود ، هو نائب أو «فربا» ملك مالى ، والذى استقبل ابن بطوطه وكان محاطا بوجهاء مسوفة.
(١٥) سونعىء أو سونغائى. ويتكلم كل السكان العربية حاليا ، ولكن كان الناس يتكلمون لغة آزر التى ظلت معروفة أيضا ، وهى لهجة سونيكة التى ظلت حتى القرن العشرين.
(١٦) وهذا الحادث غير المؤكد بمصادر أخرى ربما حدث حوالى العام ١٤٦٩ م.
(١٧) أى يعيشون كالصحراويين وليس كالزنوج.
(١٨) وربما كان الذرة البيضاء ، لأن الدخن هو من نوع دخن الشمعدان.
(١٩) هذا التفصيل يوضح الفكرة التى يتصورها المؤلف عن مملكة ما. فهى بالنسبة له رقعة أرضية تتعلق بحكومة واحدة ، والتى ربما لا تكون أبدا حكومة ملك : وهكذا يوجد أمير صحراوى فى ولاته ، هو تابع بسيط لملك تومبوكتو وليس لديه موظفون حكوميون ولا عدليون.