ولا توجد هنا حضارة ، ولا معرفة بالآداب ، ولا حكومة. وأهل هذه البلاد أغبياء ، ولا سيما الذين يعيشون فى الجبال. وهم يمشون عراة فى الصيف دون أى لباس سوى نوع من سروال قصير من جلد يستر عوراتهم. والبيوت هى أخصاص من أغصان تحترق بمجرد هبوب أدنى ريح ، ويربون قطعانا كبيرة من الأغنام والأبقار.
وقد عاش هؤلاء فى حرية لفترة طويلة. ولكن منذ مائة عام حرمهم إياها عبد أسود من هذه المنطقة. فقد جاء سيده إلى هنا ، وكان تاجرا غنيا جدا. وعند ما رأى نفسه قريبا من بيته اغتال سيده بينما كان هذا نائما لا تساوره أية ريبة واستولى على ما كان معه من أموال ، وكانت تتمثل فى أحمال جمال عديدة ، ومنسوجات وأسلحة. ثم عاد لبيته واقتسم كل هذه بين ذويه وأصدقائه.
وبعد أن أشترى بضعة رءوس من الخيل من تجار بيض ، راح يقوم بحملات على أراضى أعدائه. وقد كان النصر حليفه على الدوام لأن رجاله كانوا مسلحين بأسلحة حديثة ، فى حين لم يكن لدى خصومه سوى أقواس من خشب. واستطاع أن يجمع الكثير من الرقيق الذين كان يبادلهم بالخيول القادمة من مصر ، وراح عدد جنوده يتزايد ، وكان مطاعا من الجميع ، لأنهم كانوا يعتبرونه زعيمهم وأميرهم.
وخلفه بعد موته ابنه ، ولم يكن ابنه هذا أقل بسالة ولا أقل إقداما منه. وظل يمارس السلطة مدة أربعين عاما. ثم حكم بعده أحد إخوته المدعو موسى ، الذى خلفه أحد أحفاده المسمى عماره ، وهو الذي يحكم اليوم. وقد استطاع هذا أن يوسع رقعة أملاكه كثيرا ، وبفضل هداياه ومجاملاته استطاع أن يكسب صداقة سلطان القاهرة ورعايته ، فأرسل له أسلحة وأقمشة وخيولا. وكان يدفع ضعف ثمنها كى يظهر كريما ، حتى إن تجار مصر لا يذهبون لأبعد من بلاطه ، وكان الكثير من فقراء القاهرة يأتون لمقابلته حاملين إليه بعض الهدايا الجميلة والنادرة ، ويدفع لهم ضعف ثمنها ، وكان لا يخرج أحد من عنده إلا وهو مغمور بفضله وفرح بما ناله منه. وكان يعامل الناس المثقفين ـ ولا سيما الذين ينتسبون لآل البيت ـ بكثير من مظاهر الإكرام. وقد كنت حاضرا حينما وقد عليه رجل من دمياط وقدم له حصانا غاية في الجمال ، وسيفا
__________________
ـ ذلك ، ولكنها توقفت في الشمال في صحراء مأهولة بالتبو ، وفي الجنوب كانت تصطدم بقبائل عديدة فى بلاد نهر شارى وروافده. ر ـ م.R.Mauny.