الإفريقية ، على مسافة خمسين ميلا تقريبا جنوب القاهرة ، على ذراع النيل الذي تكلمنا عنه ، وهو الذراع الذي يقع إلى الغرب من الفرع الرئيسي للنهر (٢١). وهناك دليل آخر على أن مدينة فرعون هي في المكان الذي أشرت إليه ، ذلك أنه عند تفرع نهر النيل إلى فرعين (٢٢) توجد بناية تعود لتاريخ موغل في القدم تدعى قبر يوسف : فهناك دفن يوسف قبل نقل جثمانه على أيدي العبرانيين إلى مدافن أجداده (٢٣) ، إذ ليس للقاهرة وللمدن المجاورة أية علاقة مع مدن قدامى الفراعنة.
هذا ويجب أن نعرف أن أشراف قدامى الفراعنة كانوا يسكنون الصعيد في عالية القاهرة ، في المدن المسماة الفيوم ومنف (٢٤) وأخميم (٢٥) ومدن أخرى شهيرة.
ولكن بعد أن احتل الرومان مملكة مصر اجتمع كل وجهاء البلاد في الريف ، على الساحل ، حيث تقع الإسكندرية ورشيد. وحتى هذا اليوم لا نزال نجد بضعة بلدان تحمل أسماء لا تينية. وعندما انتقلت الامبراطورية من روما إلى اليونان ، انسحبت هذه الطبقة النبيلة تدريجيا نحو مصر البحرية. وقد جعل نائب الامبراطور من الاسكندرية مقره العادي.
وعندما قدمت الجيوش الإسلامية إلى مصر ، أقامت تقريبا في وسط المملكة ، لمواجهة هدف مزدوج ، وهو نشر السلام في جزئي المملكة من جهة والبقاء من جهة أخرى في مأمن من النصارى الذين كانوا يخشونهم كثيرا فيما لو ظلوا في مصر البحرية.
__________________
(٢١) ليس هذا الكلام منقولا عن سفر التكوين بل عن سفر الخروج حيث يرد فيه أن أبناء إسرائيل بنوا مدينتي بيتوم وراسيس كي تستخدما مستودعات لفرعون. ولم تكن بيتوم على بحر يوسف. فقد حدد مكانها في تل الرطابة ، في وادي الاسماعيلية. وقد تصور ذلك في مدينة الفيوم التي تقع على الأقل على مسافة ستين ميلا من القاهرة على طريق الدرب الأقصر ، وليس خمسين ميلا.
(٢٢) أى تفرع بحر يوسف.
(٢٣) من المحتمل أن المقصود هي أطلال مدافن فرعون آمينمنس الثالث ، القريبة من هرم الهوارة ، على مسافة ٦ كم تقريبا جنوب شرق مدينة الفيوم ، وهو معبد التيه الشهير.
(٢٤) أو ممفيس القديمة عند الإغريق ، ومنف عند الأقباط ، على مسافة ٢٥ كم جنوب القاهرة ، والتي تلاشت أطلالها الواسعة برمتها تقريبا بين قريتي بدرشين وسقاره على الضفة اليسرى للنيل.
(٢٥) أخميم مدينة على الضفة اليمنى للنيل على مسافة ٥٢٠ كم تقريبا في عالية القاهرة على الطريق النهري الملاحي.