وبعد بعثة المسيح أصبح المصريون نصارى ، غير أن مصر ظلت تؤلف جزءا من الامبراطورية الرومانية. وعندما انهارت هذه الامبراطورية ، انتقلت مصر إلى امبراطورية القسطنطينية وبذل الأباطرة اهتماما كبيرا للاحتفاظ بهذه المملكة.
وأخيرا وبعد ظهور محمد (صلّى الله عليه وسلّم) احتل المسلمون مصر. وقد استولى عليها عمرو بن العاص ، قائد جيش عربي لدى الخليفة الثاني عمر (١٧) وقد ترك عمرو لكل فرد الحق في ممارسة ديانته ، ولم يطلب منهم شيئا آخر سوى الجزية.
وبنى على ضفة النيل مدينة صغيرة سماها العرب الفسطاط ، والتي تعني في لغتهم «الخيام» وذلك أن عمرو عندما قام بحملته وجد هذه البقعة خالية تماما من السكان وغير مزروعة ، مما جعل الجيش يقيم تحت الخيام (١٨). وتسمي عامة الشعب هذه المدينة مصر العتيقة (١٩) ، أي المدينة القديمة ، وهذا بالنسبة للقاهرة التي هي المدينة الجديدة ، إذ جاز القول.
وهناك الكثير من العلماء اللامعين في الوقت الحاضر ، من مسلمين ونصارى ويهود ، يرتكبون خطأ الاعتقاد بأن مصر كانت المدينة التي كان يسكنها فرعون موسى وفرعون يوسف. والحقيقة كانت عاصمة فرعون تقع في القسم الإفريقي من مصر ، أي على ذراع النيل الذي يمر إلى الغرب (٢٠) ، وحيث تقوم الأهرامات. وتنقل الكتب المقدسة نوعا من شاهد على ذلك في سفر التكوين ، عندما يروي أن اليهود قد أجبروا على بناء أفتون ، وهي مدينة بناها الفراعنة في عصر موسى ، وهي أيضا على الضفة
__________________
(١٧) وهو عمرو بن العاص. لقد تم الفتح الإسلامي لمصر في خلافة عمر بتاريخ كانون الأول (ديسمبر) ٦٣٩ إلى تشرين الثاني (نوفمبر) ٦٤١ وهو التاريخ الذي تم فيه التوقيع على التسليم وإن تخلي فيه القوات الامبراطورية البيزنطية البلاد بموجبه خلال مهلة قدرها أحد عشر شهرا.
(١٨) هذا غير صحيح ، فإذا كانت كلمة الفسطاط تعني بالعربية خيمة من قماش قطني فإن الوثائق تدل على أن هذا الاسم هو تحزيف للاسم الذي أعطته القوات اليونانية للقلعة ، بالإغريقية ، أي «فوسّاطون» أي قلعة مدينة بابل المصرية ، وحيث تمركز دفاع القوات الامبراطورية. وقد حاصر الجيش العربي هذه القلعة واضطرت القوات الامبراطورية للاستسلام يوم الاثنين ، يوم الفصح ،. ا نيسان (أبريل) ٦٤١ م. واحتفظت باسمها على شكل فسطاط العربية ، وهذا الاسم بقي لها حتى بعد تأسيس القاهرة. وليس من الصحيح القول إن المنطقة كانت خاوية وغير مزروعة. فقد كانت هذه المنطقة منذ غابر العصور القديمة مأهولة جدا بالسكان.
(١٩) أي مصر القديمة حاليا ، أو القاهرة القديمة.
(٢٠) بحر يوسف.