يأكله بما جمعته من المشاهدين» ثم يلتفت إلى الحمار ويناشده أن ينهض. ولكن الحيوان لا يتحرك مطلقا. وهنا تحين الفرصة لأن يوجه له عدة ضربات عصى متواترة. ولكن الحمار لا يبدي حراكا. وحينئذ يستأنف الرجل شعوذته ويقول : «سادتي : يجب أن تعلموا أن السلطان أصدر المرسوم التالي : على كل سكان القاهرة في الغد أن يخرجوا لحضور دخوله المظفر. وهو يأمر أن تركب كل سيدات المجتمع الراقي وكل النساء الجميلات على حمير جميلة وستعطيها شعيرا وشرابا من ماء النيل». وما يكاد المهرّج يتلفظ بهذه الكلمات الأخيرة حتى يقفز الحمار على قوائمه ويتصنع الزهو ويبدو فرحا جدا. ويستأنف المشعوذ : «الحقيقة لقد طلب مني عمدة الحي أن أعيره حماري الأنيق لزوجته العجوز والقبيحة» وعند سماعه هذه الكلمات يتظاهر الحمار بالاشمئزاز وكأن لديه ذكاء بشريا ، فيخفض عينيه ويأخذ بالمشي متصنعا العرج كما لو كان كسيحا. وعندها يقول له سيده : «هل تعجبك الصبايا إذن؟» وهنا يهز الحمار رأسه وكأنه يقول «نعم» ويستمر المهرج قائلا : «يوجد هنا الكثير من الصبايا ، قل لي إذن : من هي التي تعجبك أكثر؟» وهنا يدور الحمار حول دائرة النظار الذين توجد بينهم دائما بعض النساء اللواتي يتفرجن على المشهد ، فيختار أجملهن ويتجه نحوها ويلمسها برأسه. وعندها يصرخ الجمهور «هيه يا زوجة الحمار» استهزاء بالمرأة. وعندئذ يفقز المهرج على حماره ويمضي لمكان آخر.
وهناك نوع آخر من المشعوذين. ولدى هؤلاء عصافير صغيرة مربوطة إلى جانب صندوق صغير على شكل مائدة صغيرة. وتستخرج هذه العصافير بمنقارها بطاقات مكتوبة تشير إلى الحظ من الفأل الحسن أو العكس. وما على الذين يرغبون في التعرف على المستقبل إلا أن يرموا فلسا أمام العصفور الذي يحمله في منقاره ويضعه في العلبة ثم يعود حاملا في منقاره البطاقة التي تحمل الجواب المكتوب. وقد حدث لي شخصيا أن تناولت بطاقة حظ سيء لم أعرها أدنى اهتمام ، غير أن ما حدث لي كان أسوأ بكثير مما كان مكتوبا فيها (٨٨).
ويرى الإنسان أيضا فوق ساحة الأزبكية المتبارزين بالسيف والترس ،
__________________
(٨٨) «وهذا قبل أن يعود إلى بلاده بحرا ويسقط في أسر القراصنة عند جزيرة جربة. ويظهر هنا فرط تأثره على ما حدث له من آلام البعد عن الأهل والوطن والإكراه على تغيير الدين ولو إلى حين لأنه عاد إلى تونس في أواخر حياته ومات في أحضان الإسلام» (المترجم).