التي اعتقد أنها صائبة ، ولهذا تختلف آراؤهم كثيرا (١١٦) بعضها عن بعض ، وقد اكتسب هؤلاء العلماء الأربعة شهرة عظيمة بفضل شدة التقدير التي اكتسبته قواعدهم. وكانوا هم أهل المذاهب الأربعة واعتبروا رؤساءها. وتتبع كل أمة من الأمم الإسلامية أحد هذه المذاهب. وعندما يعتنق أحدهم واحدا من هذه المذاهب لا يستطيع تركه واتباع آخر ، إلا إذا كان ضليعا يفهم الأسباب ويدركها. ويوجد في القاهرة أربعة أشخاص يدعون شيوخ القضاة والذين يفصلون في القضايا الهامة (١١٧).
وقد وضع تحت سلطة كل واحد منهم عدد لا يحصى من القضاة ، حتى إننا لنجد منهم اثنين أو ثلاثة في كل حي للفصل في القضايا العادية جدا. فإذا كان المدعى عليه يتبع مذهبا وخصمه مذهبا آخر ، فإن المدعي يذكر هذا أمام القاضي الذي يتعلق به. ولكن المدعى عليه يستطيع الاستئناف أمام قاض معين من قبل الأربعة كقاض أعلى ، وهو قاضي المذهب الشافعي. وإذا ارتكب أحدهم عملا محظورا في المذهب الذي يتبعه ، فإن قاضي هذا المذهب يعاقبه بشدة.
كما يتمسك أئمة هذه المذاهب المختلفة فيما بينهم باختلافات في طرائق الصلاة ، وفي عدة مناسبات أخرى ولكن رغم هذه الاختلافات ، فليس لدى أحد أي حقد أو كره للآخرين ولا سيما بين عامة الشعب. ولكن تقوم أحيانا بين المثقفين ، الذين تعمقوا في الدراسات ، مناقشات ويتنازعون على حالات خاصة ، ويدافعون عن وجهات نظرهم ، ويرغب كل واحد في أن يبرهن على أن مذهبه هو الأفضل. وعلى كل حال لا يستطيع أن يتكلم أي منهم بسوء نحو أحد العلماء الأربعة الكبار ، لأن من يجرؤ على ذلك ينال عقوبات جسدية قاسية. والمسلمون متساوون في مادة الإيمان لأنهم يظلون على النهج الذي رسمه الأشعري سيد علماء التوحيد ، ومذهبه هو المتبع
__________________
(١١٦) القرآن والأحاديث النبوية ، اللذان يؤلفان مصدري الإسلام السني ، يعتبر ان أساس عقيدة لا تمس إطلاقا.
ولكنها فسرت حب طرائق مختلفة ، منها أربعة تعتبر مقبولة لدى الإسلام السني الأصيل. وهذه المذاهب هي : الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، وهي مذاهب الإمام مالك بن أنس ، من المدينة المنورة ، المتوفي عام ٧٩٥ م ، ومذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، من الفسطاط ، والمتوفي عام ٨٢٠ م ، ومذهب الإمام أحمد بن حنبل من بغداد ، والمتوفي سنة ٨٥٥ م ، ومذهب الإمام أبي حنيفة بن النعمان بن ثابت ، من الكوفة والمتوفي سنة ٧٦٧ م.
(١١٧) لم يكن في القاهرة سوى قاض قضاة شافعي واحد يساعده ثلاثة نواب ، يعتبر كل واحد منهم كقاضي قضاة في مذهبه الواحد حنفي والثاني مالكي ، والثالث حنبلي. وقد شغل المؤرخ الشهير ابن خلدون المتوفي في ١٦ آذار (مارس ١٤٠٦ م في القاهرة ، وظيفة قاضي قضاة المالكية ، وهي وظيفة تسنّمها في عدة مناسبات منذ عام ١٣٨٤ م.