ويكثر في هذه المدينة القمح والمواشي.
وقد كانت هذه البلدة وأراضيها اقطاعة أمير افريقي من قوم البربر يدعون الهوارة. وكان هذا الرجل يحتفظ بالأمارة عن أجداده ، الذين كانوا أمراء هوارة ، والذين قدموا لمساعدة جوهر الصقّلي ، الذي أسسّ القاهرة. وعندما جاء الخليفة القائم من القيروان ووصل القاهرة أعطى أراضي أخميم إلى أمير هوارة مكافأة له (١٩٠). ولم يرغب هذا الامير في إعادة بناء أخميم لأن العرب كانوا يسببون له المتاعب. لهذا بنى المنشّية على الضفة الأخرى للنيل (١٩١) لتحاشي العرب. وظلت الأمارة في هذه الأسرة حتى العهد الحاضر وتدفع دوما عائداتها للسلطان. ولكن انتزعت منها أمارتها في عهد سليمان ، تاسع الأباطرة الأتراك ، وصودر الجميع لمصلحة خزينة عظيم الترك (١٩٢).
جرجا (١٩٣)
كانت جرجا ديرا نصرانيا كبيرا وغنيا جدا يدعى دير القديس جورج (١٩٤) على مسافة ستة أميال من المنشية (١٩٥) وكانت محاطة بأراض زراعية واسعة ومروج وكانت تضم أكثر من مائتي راهب ، كان من عادتهم أيضا إطعام الغرباء. وما كان يزيد عن حاجتهم من عوائد الدير كانوا يرسلونه الى بطريرك القاهرة الذي كان يوزعها على فقراء النصارى. ولكن ظهرت منذ مائة عام جائحة طاعون في مصر وقضت على كل رهبان هذا الدير. وظل المكان خاليا خلال ثلاثة أعوام ولم يأت إنسان لسكنى الدير حتى أن
__________________
ـ الأمطار تقريبا في هذه المنطقة على مدار العام ، ونظرا لأن المؤلف من بلاد ذات مناخ رومي (مناخ البحر الأبيض المتوسط) ذي أمطار شتوية ، فهو يتصور ان الغبار لا يمكن أن يثور إلا في أثناء الصيف في كل مكان» (المترجم)
(١٩٠) كان الخليفة الفاطمي ، وهو أبو القاسم محمد القائم ، قد توفي عام ٩١٦ م بينما جاء حفيد أبو تميم معدّ المعز ليستقر في القاهرة في حزيران (يونيه) ٩٧٣ م.
(١٩١) أي على الضفة اليسرى على مسافة ٣٣١ ميل أو ٥٣٠ كم عن القاهرة.
(١٩٢) تشير دوائر الكادسترو لثلاثة مواقع باسم منشية وهي متجاورة : منشية بني ضبعان ، ومنشية بني غرواسان ، ومنشية كاي ، وتحمل الاثنتان الأخيرتان بشكل واضح إسمى فخذين من بربر هوارة.
(١٩٣) رسمها المؤلف بفتح الجيم ، ولكنها تنطق الآن بكسر الجيم.
(١٩٤) لقد اختفى دير مار جرجس منذ حوالي قرن ونصف من الزمن.
(١٩٥) المسافة الحقيقية هي ثلاثة عشر ميلا أي ٢٠ كم إلى الجنوب.