ولديهم أغنام وإبل ولكنها لا تنتج سوى القليل بسبب ضآلة كمية المرعى. ورغم امتداد مجال تجوالهم فليس فيه أية أرض صالحة للزراعة. ومع ذلك نجد في هذه الصحارى بعض القرى الصغيرة التي تشابه المداشر (١٦١) حيث تقوم بعض حدائق النخيل الضئيلة جدا ، وهنا يزرع قليل من القمح بل إن ما يزرع منه ليس شيئا مذكورا ، ومن أجل ذلك يكون سكان هذه المداشر مرهقين بالهموم والمشاكل الناجمة عن هيمنة العرب عليهم. وكثيرا ما يأتي هؤلاء لمقايضة إبلهم وأغنامهم بالقمح ، غير أن كمية القمح ضئيلة جدا بحيث لا تكفي لعدد ضخم كهؤلاء. وينجم عن ذلك ان نجد في أغلب الأوقات ، كثيرا من أبناء هؤلاء العرب عند الصقليين (١٦٢) وقد تركوهم ضمانة ورهائن مقابل القمح الذي اقترضه هؤلاء الفقراء. وإذا عجزوا عن تسديد المبلغ المطلوب في نهاية المدة المحددة في السوق ، يحتفظ الدائنون بالأولاد عبيدا لهم. وإذا رغب آباؤهم بافتدائهم فعليهم ان يدفعوا ثلاثة أمثال مبلغ الدين ، ولهذا يضطرون غالبا الى التنازل عنهم ، ويؤدي هذا الى أن هؤلاء العرب قد أصبحوا من أكثر القتلة في العالم شراسة. وكل غريب يقع في أيديهم يتعرض أولا لتجريده من كل ما يمكن ان يكون عليه ثم يباع الى الصقليين. ولم تعد أية قافلة تجرؤ على المرور من الساحل الذي يحاذي الصحراء التي يعيش فيها هؤلاء منذ مائة عام. وعندما يكون على قافلة ان تجتاز البلاد فعليها ان تمر من الداخل على مسافة ٥٠٠ ميل تقريبا من البحر (١٦٣)
وللتخلص من مخاطر هذا اللقاء ، فقد واكبت كل ذلك الساحل عن طريق البحر مع ثلاثة مراكب تجارية. (١٦٤) وعندما رآنا العرب تراكضوا نحو المرسي بدعوى انهم يرغبون عقد صفقات معنا يمكن ان تكون مفيدة لنا ولكن سوء ظننا بهم لم يشجع أي إنسان منا على النزول الى البر قبل ان يضعوا بعض أبنائهم بين أيدينا ضمانا. وبعد حصولنا على ذلك اشترينا كمية صغيرة من خرافهم ومن سمنهم وأقلعنا بسرعة ، خشية ان يدركنا قراصنة صقلية او جزيرة رودس.
__________________
(١٦١) جمع مدشر وهو عبارة عن تجمع يضم بضعة بيوت للفلاحين لا تتجاوز العشرة. وليس فيها مسجد أو سوق. وهي كلمة مغربية استخدمها مؤرخو المغرب ومنهم ابن خلدون
(١٦٢) أي نصارى صقلية.
(١٦٣) أي من الطريق الذي يمتد من خليج سيرت الكبير الى مصر عن طريق واحات أوجلة وجغبوب وسيوه ، على مسافة ٤٠٠ كم من الساحل. وإلا فعن طريق التشاد ودارفور.
(١٦٤) ربما كانت هذه هي آخر مرة عاد فيها المؤلف من مصر.