والنار. وكان لديهم معابد مزدانة تكريما لهذه وتلك. وكانوا يوقدون في هذه المعابد على الدوام نارا تحرس ليلا ونهارا كيلا تخمد كما كانت العادة لدى الرومان الذين يصنعون نفس الشيء في هيكل الآلهة فستا (١٧٣) وكذلك يبدو من المؤكد ان أفارقة نوميديا وليبيا كانوا يعبدون الكواكب السيارة ، وكانوا يقدمون لها القرابين. وكان بعض الأفارقة السود يعبدون جويجيمو ، ويعني في لسانهم رب السماء (١٧٤). ولقد سادت لديهم هذه الاتجاهات الدينية بدون أن يأخذوها عن نبي وعن عالم. وبعد مضى بعض الوقت اعتنقوا الديانة اليهودية ، التي ظلوا متمسكين بها سنين عديدة إلى أن أصبحت بعض الممالك نصرانية. (١٧٥) وظلوا أوفياء للإيمان المسيحي الى أن حدث تمرد من أتباع نحلة اسلامية عام ٢٦٨ للهجرة وحينئذ قدم بعض أتباع الشريعة المحمدية ونشروا الدعوة في هذه المناطق واستطاعوا بالحكمة والموعظة الحسنة كسب قلوب هؤلاء الأفارقة لدينهم ، الى أن أصبحت الممالك الزنجية المتاخمة إلى ليبيا مسلمة (١٧٦). غير اننا لا نزال نجد بضع ممالك ظل السود فيها ولا يزالون نصارى (١٧٧) ، واليهود وحدهم الذين تم القضاء عليهم على أيدي النصارى والأفارقة (١٧٨) ، أما بقية الزنوج الذين يسكنون على حافة المحيط فلا يزالون وثنيين يعبدون الاصنام وقد رآهم العديدون من البرتغاليين ، وكان لهم مع هؤلاء بعض العلاقات التجارية.
وقد ظل سكان بلاد البربر وثنيين لمدة طويلة ، وأصبحوا نصارى قبل مائتين
__________________
(١٧٣) وكلامه هنا موضع شك كبير لأن الحسن (يقصد المؤلف) يطبق على أفريقيا الشمالية ما كان يعرفه عن ديانة الفرس.
(١٧٤) من المحتمل ان يكون هذا الاسم «ويغيما» ، وهو اسم مجهول لنا.
(١٧٥) لقد كانت بعض جماعات البربر متهودة ، ولكن تنصر البلاد كان سطحيا فيما يظهر فيما عدا العنصر المتأثر بالرومان ، ولم يكتب للجماعات النصرانية في افريقيا الشمالية أن تعيش طويلا بعد دخول أهل هذه البلاد في الإسلام.
(١٧٦) يطابق التاريخ المذكور أي ٢٦٨ ه الفترة الواقعة بين ١ / ٨ / ٨٨١ م و ٢٠ / ٧ / ٨٨٢ م. وفي هذه الفترة كانت دعوة الشيعة ، من أنصار الخليفة علي وأحفاده ، ومن خصوم أهل السنة ، دعوة نشيطة جدا. وكان أحد فروع هذا المذهب ، وهو المذهب الفاطمي ، وقد ابتعث الى كل أرجاء العالم الاسلامي ، دعاة فقهاء ، وقد تمكن الداعي ابو عبد الله أن يكسب لجانبه قبيلة كتامة التي كانت تسكن بجوار مدينة ستيف فدخلت في هذا المذهب ، وفتح افريقية وهيأ لظهور الخلافة الفاطمية في القيروان ، وبذلك أصبح شهيرا. ويظهر ان المؤلف قد نسب لهؤلاء الدعاة دخول الأقوام السود في الإسلام والواقع أن اعتناق هؤلاء الدين الحنيف كان على أيدي تجار قادمين من الشمال ، في المرحلة التي أخذت التجارة تنهض في أثنائها ببط في بلادهم.
(١٧٧) وفي ذلك اشارة الى النوبة حيث ظلت مملكة علوة النصرانية قائمة حتى عام ١٥٠٤ م والى الحبشة التي كانت دائما نصرانية.
(١٧٨) أي مسلمو المغرب ولكن هذا لم يمنع من أن تظل في المغرب أعداد كبيرة منهم.