المثل وبيان أنّ هذه الحالة صورة حال هؤلاء المشركين في جهلهم وقولهم بالشرك ، كأنّه تعالى يقول : هو الذي خلق كلّ واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجها إنسانا يساويه في الإنسانية ، فلمّا تغشّى الزّوج زوجته وظهر الحمل دعا الزّوج والزّوجة ربهما إن أتانا ولدا صالحا سويّا لنكونن من الشّاكرين لآلائك ونعمائك ، فلمّا آتاهما الله ولدا صالحا سويّا جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما ؛ لأنّهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطّبائع كما يقول الطبيعيون ، وتارة ينسبونه إلى الكواكب كقول المنجمين ، وتارة إلى الأصنام والأوثان كقول عبدة الأصنام.
ثم قال تعالى : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تنزّه الله تعالى عن ذلك الشّرك. وهذا قول عكرمة.
والثاني : أن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم «وهم آل أقصى».
والمراد من قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ) قصي وجعل من جنسها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها ، فلمّا آتاهما ما طلبا من الولد الصّالح السّوي جعلا له شركاء فيما آتاهما حيث سميا أولادهما الأربعة : عبد مناف ، وعبد العزّى ، وعبد قصيّ وعبد اللّات وعبد الدّار ، وجعل الضمير في يشركون لهما ، ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك.
الثالث : إن سلّمنا أن هذه الآية وردت في شرح قصّة آدم ـ عليهالسلام ـ.
وعلى هذا ففي دفع هذا الإشكال وجوه :
أحدها : أن المشركين كانوا يقولون : إنّ آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يعبد الأصنام ، ويرجع في طلب الخير ودفع الشر إليها ، فذكر تعالى قصة آدم وحواء ـ عليهما الصلاة والسلام ـ وحكى عنهما أنهما قالا : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي : ذكر تعالى أنه لو آتاهما ولدا صالحا لاشتغلوا بشكر تلك النّعمة.
ثم قال (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ).
فقوله : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) ورد بمعنى الاستفهام على سبيل الإنكار والتّبعيد تقديره : فلما آتاهما صالحا أجعلا له شركاء فيما آتاهما؟ : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تعالى الله عن شرك هؤلاء المشركين الذين يقولون بالشّرك وينسبونه إلى آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، ونظيره أن ينعم رجل على رجل بوجوه كثيرة من الأنعام ، ثم قيل ذلك المنعم إن ذلك المنعم عليه يقصد ذمك وإيصال الشر إليك. فيقول المنعم : فعلت في حق فلان كذا وأحسنت إليه بكذا وكذا ، ثم يقابلني بالشّرّ؟ إنه بريء عن ذلك.
فقوله : يقابلني بالشّرّ المراد منه : النفي والتبعيد فكذا ههنا.
ثانيها : إن سلمنا أن القصّة في آدم وحواء فلا إشكال في ألفاظها إلا قوله (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) ، أي : جعلا أولادهما شركاء على حذف المضاف وإقامة