والباقون بضمّ الشين ، وفتح الرّاء ، ومدّ الكاف مهموزة ، من غير تنوين ، جمع «شريك».
فالشّرك مصدر ، ولا بد من حذف مضاف ، أي : ذوي شرك ، يعني : إشراك ، فهو في الحقيقة اسم مصدر ، ويكون المعنى : أحدثا له إشراكا في الولد ، وقيل : المراد بالشّرك : النصيب وهو ما جعلاه من رزقهما له يأكله معهما ، وكانا يأكلان ويشربان وحدهما ، فالضّمير في له يعود على الولد الصّالح.
وقيل : الضمير في له لإبليس ولم يجر له ذكر ، وهذان الوجهان لا معنى لهما.
وقال مكيّ وأبو البقاء وغيرهما : إنّ التقدير يجوز أن يكون : جعلا لغيره شركا.
قال شهاب الدّين (١) : هذا الذي قدّره هؤلاء قد قال فيه أبو الحسن : كان ينبغي لمن قرأ شركا أن يقول المعنى : جعلا لغيره شركا ؛ لأنّهما لا ينكران أنّ الأصل لله فالشرك إنّما يجعله لغيره.
قوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) قيل : هذه جملة استئنافية ، والضمير في : يشركون يعود على الكفّار ، وأراد به إشراك أهل مكّة والكلام قد تمّ قبله ، وقيل : يعود على آدم وحواء وإبليس ، والمراد بالإشراك تسميتهما الولد الثالث ب «عبد الحارث» وكان أشار بذلك إبليس ، فالإشراك في التّسمية فقط ، وقيل : راجع إلى جميع المشركين من ذريّة آدم ، وهو قول الحسن ، وعكرمة ، أي : جعل أولادهما له شركاء فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء في تعييرهم بفعل الآباء فقال : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥١] (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) [البقرة : ٧٢] خاطب به اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم وكان ذلك الفعل من آبائهم.
وقيل : لم يكن آدم علم ، ويؤيد الوجه الأول قراءة (٢) السّلمي : «عمّا تشركون» بتاء الخطاب وكذلك «أتشركون» بالخطاب أيضا ، وهو التفات.
قوله : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً).
هذه الآية من أقوى الدّلائل على أنّه ليس المراد بقوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ما ذكره في قصّة إبليس إذ لو كان المراد ذلك لكانت هذه الآية أجنبية عنها بالكليّة ، وكان ذلك النّظم في غاية الفساد ، بل المراد ما ذكرناه في الأجوبة من أنّ المقصود من الآية السابقة الرّدّ على عبدة الأوثان ؛ لأنه أراد ههنا إقامة الحجّة على أنّ الأوثان لا تصلح للإلهيّة فقوله : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أي : أيعبدون ما لا يقدر على أن يخلق شيئا؟ وهم يخلقون ، يعني الأصنام.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٨٣.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٨٨ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٣٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٨٣.