وقوله : «من السّماء» مع أنّ المطر لا يكون إلّا منها ، قال الزمخشريّ : «كأنه أراد أن يقال : فأمطر علينا السّجّيل ، فوضع حجارة من السماء موضع السّجّيل كما يقال : صب عليه مسرودة من حديد ، تريد درعا».
قال أبو حيان (١) : «إنّه يريد بذلك التّأكيد» قال : «كما أنّ قوله : «من حديد» معناه التأكيد ؛ لأنّ المسرود لا يكون إلّا من حديد ، كما أنّ الأمطار لا تكون إلّا من السّماء».
وقال ابن عطيّة (٢) : «قولهم (مِنَ السَّماءِ) مبالغة وإغراق».
قال أبو حيّان : «والذي يظهر أنّ حكمة قولهم : (مِنَ السَّماءِ) هي مقابلتهم مجيء الأمطار من الجهة التي ذكر عليه الصلاة السلام أنه يأتيه الوحي من جهتها ، أي : إنّك تذكر أن الوحي يأتيك من السّماء ، فأتنا بالعذاب من الجهة الّتي يأتيك الوحي منها ، قالوه استبعادا له».
فصل
قال عطاء : «لقد نزل في النضر بن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر» (٣).
قال سعيد بن جبير «قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا طعيمة بن عدي ، وعقبة بن أبي معيط ، والنّضر بن الحارث» (٤). وروى أنس أن الذي قال هذا الكلام أبو جهل(٥).
قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) اللّام في «ليعذّبهم» قد تقدّم أنها لام الجحود ، والجمهور على كسرها ، وقرأ أبو السّمّال (٦) : بفتحها.
قال ابن عطية عن أبي زيد : «سمعت من العرب من يقول «ليعذّبهم» بفتح اللّام ، وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن». يعني في المشهور منه ، ولم يعتدّ بقراءة أبي السمال ، وروى ابن مجاهد (٧) عن أبي زيد فتح كلّ لام عن بعض العرب إلّا في
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٨٢.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٢١.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٣١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٨) وعزاه للطبري.
وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٥).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٣٠) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٥).
(٥) أخرجه البخاري (٨ / ١٥٨) كتاب التفسير : باب وإذ قالوا الله م إن كان هذا هو الحق من عندك ......
حديث (٤٦٤٨) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٣ / ٧٥) عن أنس.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٢١ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨٣ ، الدر المصون ٣ / ٤١٥.
(٧) المصدر السابق.