أوّل الطفولية والنشو في محيط الكفر صاروا جازمين بمذاهبهم الباطلة ، بحيث كلّ ما ورد على خلافها ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ ، فالعالم اليهودي والنصراني كالعالم المسلم لا يرى حجة الغير صحيحة وصار بطلانها كالضروري له. نعم فيهم من يكون مقصّرا لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجته عنادا.
فتحصّل مما ذكر أنّ ما ادّعي من السيرة على بيع الطعام من الكفار خارج عن عنوان الإعانة على الإثم ، لعدم الإثم والعصيان غالبا وعدم العلم ـ ولو إجمالا ـ بوجود مقصّر فيمن يشتري الطعام وغيره منهم. هذا مع غفلة جلّ اهل السوق لو لا كلّهم عن هذا العلم الإجمالي.
وأمّا ما ذكر من السيرة على معاملة الملوك والأمراء لو سلّم حصول العلم الإجمالي المذكور فلا تكشف تلك السيرة عن رضى الشارع بعد ما وردت الروايات الكثيرة في باب معونة الظالم ، حيث يظهر منها حرمة إيجاد بعض مقدمات الظلم ولو لم يقصد البائع ذلك. وإن شئت قلت : إنّ السيرة ليست من المسلمين المبالين بالديانة أو قلت : إنّ تلك السيرة مردوعة بالروايات المستفيضة ...» (١)
أقول : ما ذكره (ره) من كون علماء اليهود والنصارى قاصرين غير آثمين ولا معاقبين لا يمكن المساعدة عليه ، إذ كيف يمكن القول بكون علمائهم العائشين في البلاد الإسلامية ومجاورتها ولا سيما في أعصارنا قاصرين غير مطّلعين مع بسط الإسلام وانتشار خبر ظهور نبيّنا بكتاب جديد وشريعة جديدة؟ بل العوامّ منهم أيضا إلّا ما قلّ وندر قد سمعوا خبر الإسلام والدين الجديد بعد المسيح عليهالسلام. والاحتمال في الأمور المهمة منجزّ عقلا وفطرة ، فكان عليهم البحث والفحص. وبالجملة فأكثرهم مقصرون إلّا من لم يقرع سمعه اسم الإسلام والمسلمين.
__________________
(١) المكاسب المحرّمة للإمام الخمينى (ره) ، ج ١ ، ص ١٣٣ (ـ ط. اخرى ، ج ١ ، ص ١٩٩) ، في النوع الثاني من القسم الثاني.