الثالثة : أحكام العقل على قسمين
لا يخفى أنّ أحكام العقل على قسمين :
بعضها مما يدركه العقل ويحكم به مستقلا ولا مجال لحكم الشرع فيها ، كوجوب الإطاعة وحرمة العصيان ، إذ لو كانا شرعيين لزم التسلسل أعني وجود أوامر غير متناهية ووجوب إطاعات غير متناهية وحرمة عصيانات غير متناهية كما مرّ بيانه.
وبعض منها من أحكام الشرع حقيقة ولكن العقل كاشف عنها كما في المقام ـ على القول به ـ إذ الظاهر أنّ وجوبهما شرعي وهما من فرائض الإسلام كما مرّ في عبارة النهاية ولكن طريق إثباتهما العقل بناء على ما قالوا من وجوبهما بقاعدة اللطف.
ومعنى ذلك أنّه لو فرض عدم وجود آية أو رواية تدلّ على وجوبهما شرعا فالعقل يدرك وجوبهما من قبل الشارع لاقتضاء لطفه ذلك.
وبعبارة اخرى : القسم الأوّل من أحكام العقل في مقام الثبوت ، والقسم الثاني من أحكامه في مقام الإثبات.
الرابعة : الاستدلال للمسألة بقاعدة اللطف
أنّ القائلين بوجوبهما عقلا ربما يستدلّون لذلك بقاعدة اللطف ـ كما مرّ عن الشيخ في كتاب الاقتصاد ويأتي من المصنف أيضا ـ وإنّما يحكم العقل بوجوب اللطف في المقام ـ على القول به ـ لو لم يتحقق من ناحية الشارع في هذا المقام لطف وعناية ، فلأحد أن يقول : إنّ إرساله للأنبياء والرسل وإنزاله للكتب السماوية وأوامره الواردة في باب الإرشاد والتبليغ وما ورد منه في الثواب والعقاب على الأعمال وأمثال ذلك كافية في تحقق ما يجب عليه ـ تعالى ـ من ترغيب العبيد إلى الطاعة وتنفيرهم عن المعصية ، فلا يحكم العقل بوجوب أزيد من ذلك.