الشك في كون الفرد المشتبه مصداقا لهذا المقيّد فالتمسّك فيه بالعام حينئذ نظير التمسّك بالعامّ فيما يشك في كونه من مصاديق نفسه وهو واضح البطلان.
وقصر حكم العام على غير عنوان المخصّص وتضييقه لموضوعه لا يتوقف على إحراز مصاديق المخصّص ، إذ هذا القصر يكون في مرحلة تشخيص الحكم والمراد الجدي للمولى ، وإحراز المصاديق يكون من وظائف العبد في مرحلة الامتثال ، ورتبة الأوّل مقدّمة على الثاني ولا يتوقّف المتقدّم على المتأخّر.
والسّر في ذلك ما أشرنا إليه من أن وظيفة المولى ليس إلّا بيان الأحكام الكلية ، وهذا هو الفارق بين الشبهة المفهومية والشبهة المصداقية للمخصص.
إذ في الشبهة المفهومية مع التردد بين الأقل والأكثر يكون رفع الشبهة من وظائف المولى فالحجّة لم تتم من قبله إلّا بالنسبة إلى الأقل فيؤخذ في الزائد بالعموم بلا مزاحم.
وهذا بخلاف المقام فإن الحجّة من ناحية المولى قد تمّت في كلّ من العام والخاصّ ، واصالة الجدّ تجري في كليهما والشبهة المصداقية للمخصص تكون شبهة مصداقيّة لكلّ من الأصلين أيضا فلا يحكم عليها لا بحكم العامّ ولا بحكم الخاصّ.
اللهم إلّا أن تكون هنا أمارة أو أصل يحرز به عدم دخولها تحت عنوان الخاصّ فينطبق عليها العام قهرا إذ الموضوع في ناحية العامّ ليس معنونا إلّا بعدم عنوان الخاصّ فتدبّر. وقد تعرّضنا للمسألة في المجلد الأوّل من الزكاة ، فراجع. (١)
الوجه الثالث : قاعدة المقتضي والمانع بتقريب أن الفقر مثلا مقتض لإعطاء الزكاة والانتساب إلى هاشم مانع فإذا أحرز المقتضي وشكّ في المانع كان بناء العقلاء على الأخذ بدليل المقتضي.
أقول : وفيه منع هذه القاعدة إذ الحكم تابع لموضوعه فإذا كان الموضوع ولو بحسب الجدّ مركبا من المقتضي والشرائط وفقد الموانع فلا وجه لإجراء الحكم بمجرد إحراز المقتضي.
وكون بناء العقلاء على ذلك قابل للمنع اللهم إلّا أن يكون المانع نادرا جدّا بحيث يوثق بفقده.
الوجه الرابع : أن يقال : إنّ إناطة الحكم بأمر وجودي يدل بالالتزام على إناطته بإحراز
__________________
(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٥٧.