أقول : لأحد منع انسداد باب العلمي فيها للتمكن من البينة والرجوع إلى الشياع في المحلّ ، فتأمّل.
الوجه الثاني : أن تحمل فتاوى الأصحاب على إجازتهم للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص بتقريب أن مقتضى عموم قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ)(١) عموم المصرف ، وهذا العموم وإن خصّص بالنسبة إلى بني هاشم ، ولكن الفرد المشكوك فيه يكون مصداقا للعامّ قطعا ويشكّ في فرديّته للمخصّص ففي ناحية العامّ قد أحرز الصغرى والكبرى معا وفي ناحية المخصّص لم يحرز الصغرى بالنسبة إلى المشتبه والحجة إنّما تتمّ بإحرازها معا ، فلا يجوز رفع اليد عن العام بسببه فإنّه من قبيل رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة.
فالمقام نظير ما نسب إليهم من القول بالضمان في اليد المردّدة بين كونها عادية أو أمينة.
وربّما يظهر من صاحب الجواهر اختيار هذا الوجه في المقام ، حيث تمسك لجواز الإعطاء لمجهول النسب واللقيط بعموم الفقراء لهما ، فراجع (٢). وسيأتي نقل عبارته في المسألة الآتية.
أقول : قد حقّق في محله عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصّص وإن كان منفصلا إذ في هذه الصورة وإن انعقد للعام الظهور في العموم ، والشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، لكن مجرد ظهور اللفظ في مرحلة الاستعمال لا يصحّح الاحتجاج ما لم يحرز الجدّ ولو بأصالة التطابق بين الإرادة الاستعمالية والإرادة الجدّيّة.
وبعد ورود المخصّص والعثور عليه يظهر أن الإرادة الجديّة في ناحية العامّ تعلّقت بغير ما ينطبق عليه عنوان المخصّص واقعا إذ ليس حكم المخصّص مختصّا بأفراده المعلومة فقط.
فالمخصّص وإن لم يكن حجّة بالنسبة إلى الفرد المشتبه ولا يجري عليه حكمه فعلا لكن يوجب قصر حجيّة العامّ وإرادته جدّا على غير ما يشمله عنوان المخصّص بحسب متن الواقع ، وليس على المولى إلّا بيان الأحكام الكلية وقد بيّنها في كلتا الناحيتين فقامت هنا حجّتان من قبله وضيّقت الثانية منهما موضوع الأولى بحسب الإرادة الجدية ، والفرد المشتبه كما لم يحرز كونه مصداقا للمخصّص لم يحرز كونه مصداقا للعامّ بما أنه موضوع لحكمه في مقام الجدّ إذ بالتخصيص يظهر أن الموضوع له حيثية العامّ مقيدا بعدم تعنونه بعنوان المخصّص والمفروض
__________________
(١) سورة التوبة (٩) ، الآية ٦٠.
(٢) الجواهر ، ج ١٥ ، ص ٤٠٧.