بمنطوقه بل تكون من مبادي ما يتعرّضه الآخر أو من لواحقه ، حيث إنّ منطوق القضيّة الذي تتعرّضه القضية هي مفاد النسبة الواقعة بين الموضوع والمحمول. وأمّا بيان مفاد الموضوع أو المحمول وحدودهما وبيان مقدّمات الحكم من المصالح والمفاسد أو الإرادة والكراهة أو الجعل والإنشاء ، وكذا مؤخّراته من الإعادة وعدمها فليست ممّا يتعرّضها منطوق القضيّة. فلو تعرّض دليل آخر لواحد منها بحيث أوجب قهرا تضيق الحكم الأوّل أو سعته كان الدليل الثاني بالنسبة إلى الدليل الأوّل حاكما عليه ومفسّرا له. وليس بين الحاكم والمحكوم معارضة حتى يجعل الأظهريّة ملاكا للتقدّم على ما في موارد التعارض.
ومن جملة أقسامها النظر إلى موضوع الحكم الأوّل بتوسعته أو تضييقه بعد ما لم يكن هو بنفسه متعرّضا ، فيكون مفاد الدليل الحاكم نفي الحكم الأوّل أو إثباته ولكن بلسان نفي موضوعه أو إثباته مثل أن يقول في المثال السابق : «النحوي ليس بعالم» أو : «الزاهد العابد عالم.» ومن هذا القبيل قوله عليهالسلام : «لا سهو على من أقرّ على نفسه بسهو.» (١)
وبهذا البيان يظهر وجه حكومة قوله ـ تعالى ـ : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) على أدلّة الأحكام الأوّليّة ، حيث إنّه ناظر إلى جعلها ، والجعل من مبادئ الحكم ومقدّماته. وكذا قوله عليهالسلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس.» (٣) حيث إنّ الإعادة من لواحق الحكم ومؤخّراته بعد أصل ثبوته.
والورود عبارة عن كون أحد الدليلين بعد وروده رافعا لموضوع الدليل الأوّل حقيقة ، كالدليل الاجتهادي الدالّ على حرمة شيء بعنوانه فإنّه بالنسبة إلى اصالة البراءة وارد عليها ، إذ موضوع الأصل عدم الدليل ، والدليل الاجتهادي على الحرمة يرفع هذا الموضوع حقيقة. هذا.
وأمّا التخصّص فهو عبارة عن خروج الشيء عن موضوع الحكم بذاته لا بلحاظ ورود
__________________
(١) الوسائل ، ج ٣ ، ص ٣٣٠ ، الباب ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٨.
(٢) سورة الحجّ (٢٢) ، الآية ٧٨.
(٣) الوسائل ، ج ٤ ، ص ٦٨٣ ، الباب ١ من أفعال الصلاة ، الحديث ١٤.