لم يبق شيء. وقد تقدم نظير ذلك في الشبهة المحصورة وأن قوله : كلّ شيء حلال حتى تعرف أنه حرام لا يشمل شيئا من المشتبهين.» (١)
أقول : ظاهر هذا الاستدلال أنّ دليل الأصل لا يشمل طرفي العلم الإجمالي لا أنه يشملهما ويسقطان بالتعارض. وقد يعبّر عن هذا الاستدلال بلزوم مناقضة صدر الدليل لذيله فتوجب إجمال الدليل.
ويرد عليه أوّلا : أنّ ظاهر استدلال الشيخ لا يطابق ظاهر ما ادّعاه ، إذ ظاهر المدّعى جريانهما بالذات وسقوطهما بالتعارض ، وظاهر الاستدلال عدم شمول الدليل لهما ، فراجع.
وثانيا : أنّ هذا البيان يجري فيما إذا لم يستلزم من إجراء الأصلين مخالفة عملية أيضا ، كما في أصالة عدم التذكية في المقام ، وقد صرّح المصنف في المقام بجريانهما.
وثالثا : ما مرّت الإشارة إليه من منع المناقضة ، لاختلاف متعلقي اليقين والشك ، حيث إنّ الشك تعلق بكلّ واحد من الطرفين مشخصا وكذا اليقين السابق ، واليقين بالخلاف تعلق بعنوان أحدهما المردّد.
ورابعا : أنّ الذيل الموجب للمناقضة والإجمال لا يوجد في جميع أدلّة الأصول ، وما في البعض أيضا ليس لبيان حكم مستقل شرعي بل تأكيد لبيان موضوع الأصل أعني الشك ، كيف؟! والأخذ باليقين بمعنى حجيته والعمل به ليس بحكم الشرع بل مما يحكم به العقل كما قرّر في محلّه.
وخامسا : يرد على ما ذكره أخيرا : أنّ القائل بالتخيير في المقام لا يريد جعل الفرد المخير فردا ثالثا مشمولا للعام ، بل يقول : إنّ إطلاق دليل الأصل إذا لم يمكن الأخذ به في الطرفين وجب الأخذ به في أحدهما لا محالة رعاية لمصلحة الجعل مهما أمكن. والتخيير هنا عقليّ نظير سائر موارد تزاحم الملاكات. فوزان الأصلين المتعارضين ظاهرا وزان الخبرين المتعارضين على القول بالسببية ، حيث لم يلحظ في جعل الأصول الطريقية إلى الواقع ، بل هو مجعول تعبّدي لوجود المصلحة في نفسه ولو كانت هي التسهيل على المكلف لئلا يبتلي بالاحتياط الموجب للحرج ، والله ـ تعالى ـ كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه يحبّ أن يؤخذ برخصه أيضا مهما
__________________
(١) الرسائل ، ص ٤٢٩ (ـ ط. اخرى ، ص ٧٤٤) في الكلام في تعارض الاستصحابين.