الاجتهاد والاستنباط كما ذكر ذلك الشيخ في أوّل المبسوط ، وكانت الشيعة في عصر الأئمة عليهمالسلام يعتنون عملا بفتاوي بطانة الأئمة عليهمالسلام وبما اشتهر بينهم ويأخذون بها في مقام العمل ، حتى إنّهم ربّما تركوا ما سمعوه من شخص الإمام بعد إشارة البطانة إلى خلافه ، وهذا يكشف عن شدّة اعتمادهم على فتاوي البطانة ، فراجع خبر عبد الله بن محرز في باب الميراث. (١)
ومخالفة ابن الجنيد والعماني في أغلب المسائل ناشئة من عدم كونهما في المعاهد العلميّة ولم يتلقّيا الفقه من الأساتذة بل من الكتب التي كانت عندهما.
وكان يقول أيضا : إنّ من تتبع كتب الأخبار ووقف على إختلاف راويين مثلا في نقل مضمون واحد عن إمام واحد ، أو إختلاف مصنّفين في ألفاظ رواية واحدة بل مصنّف واحد في موضعين من كتابه وإختلاف النسخ الكثيرة ، يظهر له أنّ الاعتماد على رواية واحدة مثلا في مقام الإفتاء مشكل ، وإن فرض كون جميع رواته ثقات ، إلّا إذا أفتى بمضمونها الأعلام. بل لو فرض وجود روايات مستفيضة في مسألة يظهر لنا بذلك صدور المضمون المشترك بينها عن الأئمة عليهمالسلام إجمالا ولكن الحكم بخصوصيّات كلّ واحدة منها مشكل.
وبالجملة فهو ـ قدس سرّه ـ كان يقسّم المسائل الفقهية إلى قسمين : مسائل أصليّة مأثورة متلقّاة عن الأئمة المعصومين عليهمالسلام ومسائل تفريعية استنبطها الفقهاء من المسائل الأصلية.
وكان يقول : إنّ كتب القدماء من أصحابنا كالمقنع والهداية للصدوق ، والمقنعة للمفيد ، والنهاية للشيخ ، والمراسم لسلّار ، والكافي لأبي الصلاح الحلبي ، والمهذّب لابن البرّاج وأمثالها كانت حاوية للمسائل الأصلية فقط. والشيخ ألّف المبسوط لذكر التفريعات.
وكان المرز الفاصل بين الصنفين من المسائل محفوظا إلى عصر المحقّق ، فهو في الشرائع يذكر في كلّ باب أوّلا المسائل الأصلية المأثورة ثمّ يعقّبها بالتفريعات بعنوان : «مسائل» أو «فروع» ، وإنّما وقع التخليط بين الصنفين في عصر الشهيدين ومن بعدهما.
ففي الصنف الأوّل من المسائل تكون الشهرة حجّة فضلا عن الإجماع ، وفي الصنف الثاني
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٧ ، ص ٤٤٥ ، كتاب الفرائض والمواريث ، الباب ٥ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، الحديثان ٤ و٧.