الثالث : الشهرة الفتوائيّة بمعنى إفتاء المشهور بحكم من الأحكام من دون أن يعلم مستند فتواهم كما مرّ من مسألة سفر الصيد للتجارة من التفصيل بين الصلاة والصيام.
ويظهر من الشيخ الأعظم في الرسائل وكثير من الأعاظم حمل الشهرة في الحديث وكذا في مرفوعة زرارة الآتية على القسم الأوّل أعني الشهرة الروائيّة (١) ، مع وضوح أنّ مجرّد نقل الرواية فقط من دون اعتماد عليها لا يجعلها ممّا لا ريب فيه ، بل يكون من قبيل الإعراض الذي يزيد في ريبه. فالمقصود اعتماد الأصحاب على أحد الخبرين المتعارضين في مقام العمل والإفتاء بمضمونه. وعلى ذلك كان يصرّ الأستاذ آية الله البروجردي ـ طاب ثراه ـ.
نعم كان بناء القدماء من أصحابنا على ذكر متن الخبر في مقام الإفتاء ، ولكن الذي يجعل الرواية ممّا لا ريب فيه ليس مجرد نقلها ، بل العمل بها والاعتماد عليها من ناحية المتعبدين بالنصوص أعني بطانة الأئمة عليهمالسلام وأصحابهم الواقفين على فتاواهم ، وقد عرفت أنّ التعليل في الكتاب والسنة بل في التعليلات العرفيّة أيضا يقع غالبا بما هو المركوز في أذهان السّامعين.
وبالجملة فما هو المرجّح للرواية عند التعارض ويجعلها ممّا لا ريب فيه هو الشهرة العملية.
ومورد المقبولة وإن كان هو الخبران المتعارضان في باب الحكم ، لكن عموم التعليل يقتضي الترجيح بها ولو في غير باب الحكم أيضا ، كما يقتضي جبرها للخبر الضعيف أيضا.
بل يمكن الاستدلال به لحجيّة الشهرة الفتوائية مطلقا ولا سيّما إذا لم يكن لها مدرك فيما بأيدينا من الأخبار ، وكذا كونها موهنة للخبر الصحيح الوارد على خلافها. كلّ ذلك بعموم التعليل المنصوص ، إذ ظاهره كون المجمع عليه عند الأصحاب بمعنى المشهور لديهم في مقام العمل ممّا لا ريب فيه بنحو الإطلاق. والسّر في ذلك أنّ الشهرة العمليّة عند أهل النصّ المتعبّدين به يوجب الوثوق بتلقّيهم المسألة من الأئمة عليهمالسلام.
اللهم إلّا أن يقال : بعد اللتيّا والّتي : سلّمنا أنّ المقصود بالشهرة في الحديث الشهرة العمليّة ولكن ترجيح الرواية بها في مقام التعارض أخفّ مئونة من جبر الخبر الضعيف بها أو كونها حجة مستقلّة ، إذ بعد فرض كون كلّ واحد من المتعارضين حجّة في نفسه يكفي في ترجيح أحدهما على الآخر وجود مزيّة ما فلا يقاس به غيره.
__________________
(١) فرائد الأصول ، ص ٦٦ و٤٤٧.