اجتهد واستنبط.
وعلى هذا فعلى النوّاب في مجلس الشورى أيضا الرجوع في تخطيطهم وبرامجهم السياسية إلى فتاوى المجتهد الواجد للشرائط. والأحوط بل الأقوى في المسائل الخلافية رعاية الأعلميّة أيضا على ما يقتضيه ارتكاز العقلاء وسيرتهم ، كما أنّه المتعيّن لأمر الولاية أيضا إذا وجد سائر الشرائط كما مرّ.
وقد استقرّت سيرة العقلاء في جميع الأعصار والأمصار من جميع الأمم والمذاهب على رجوع الجاهل في كلّ فنّ إلى العالم الخبير المتخصّص فيه إذا كان ثقة ، وقد يعبّر عنه بأهل الخبرة.
فالمريض يرجع إلى الطبيب الحاذق الثقة ويعمل برأيه. والمتعاملان يرجعان في معاملاتهما إلى المتخصص في معرفة الأمتعة وقيمها. وهكذا في سائر الأمور التخصصية.
بل لا يمكن أن يستقيم نظام بدون التقليد إجمالا ، إذ لا يوجد مجتمع يستطيع جميع أفراده تحصيل المعرفة التفصيلية بجميع ما يتّصل بحياتهم من الهندسة والطبّ وأصول الصناعات والحرف الضروريّة.
واستمرّت سيرة أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام أيضا على استفتاء بعضهم من بعض والعمل بقوله وفتياه من دون ردع منهم عليهمالسلام.
والتقليد المذموم في الكتاب العزيز هو تقليد الأبناء للآباء أو الأتباع للرؤساء تعصّبا ، أي تقليد الجاهل لجاهل مثله أو لفاسق غير مؤتمن ، لا رجوع الجاهل في كل فنّ إلى العالم الخبير فيه إذا كان ثقة ؛ فإنّه أمر فطري ضروري لا محيص عنه للمجتمعات وإن كانت في أعلى مراتب الرقى. وفي الحقيقة ليس هذا تقليدا بل كسب علم بنحو الإجمال.
فالمجتهد يعرف حكم الواقعة بنحو التفصيل ، والمقلّد برجوعه إلى العالم الثقة يكسب العلم أو الوثوق به إجمالا ، ويعمل بما حصل له من العلم.
والإشكال في السيرة بأنّها إنّما تفيد إذا اتصلت بعصر الأئمة عليهمالسلام ولم يردعوا عنها ، والاجتهاد بنحو يوجد في أعصارنا من إعمال الدقّة واستنباط الفروع من الأصول الكليّة لم يعهد وجوده في تلك الأعصار ، مدفوع. إذ التفريع على الأصول ، وكذا مقايسة الأخبار