وأمّا آية النفر ، فمحطّ النظر فيها هو بيان وجوب تعلّم العلوم الدينيّة والتفقّه فيها بالنفر إلى مظانّها ، ثمّ نشرها في البلاد ليعمّ العلم جميع العباد فيتعلّم غير النافرين من النافرين لعلّهم يحذرون.
وليست في مقام جعل الحجّيّة التعبّديّة لقول الفقيه وبيان وجوب الحذر من قوله مطلقا حتى يتمسّك بإطلاقه لصورة عدم حصول العلم والوثوق أيضا.
نعم ، يحصل غالبا للجهال العلم العادي وسكون النفس بصحّة ما أنذروا به إجمالا إذا كان المنذر ثقة من أهل الخبرة. ويكفي هذا قطعا ، إذ العلم حجّة ذاتا ويكون عند العقلاء أعمّ ممّا لا يحتمل فيه الخلاف أصلا ، أو يكون احتمال الخلاف فيه ضعيفا جدّا بحيث لا يعتني به ويكون وجوده كالعدم ، ونعبّر عنه بالوثوق والاطمئنان وسكون النفس ونحو ذلك.
ويشهد لعدم كون الآية في مقام بيان الحكم الظاهري التعبّدي رواية عبد المؤمن الأنصاري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام الواردة في تفسيرها ، قال عليهالسلام : «فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيتعلّموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم.» (١) فالغرض هو التعلّم ثمّ التعليم ، لا التعبّد المحض.
ويشهد له أيضا الاستدلال بها في أخبارنا لوجوب نفر البعض لمعرفة الإمام ثم تعريفه للباقين. (٢)
مع وضوح أنّ الإمامة من المسائل الاعتقاديّة التي لا يجري ولا يجزي فيها التعبّد والتقليد.
وبذلك يظهر الأمر في قول الخليل عليهالسلام لأبيه أيضا ، إذ ليس مراده المتابعة التعبّدية ، فإنّ التوحيد ونفي الشرك من أصول الدين ولا مجال للتعبّد فيه.
وكذلك الكلام في الطائفة الأولى من الروايات ، فإن المقصود فيها بثّ العلم ونشره ، ولذا قال : «فيعلّمونها الناس من بعدي.» فلا ربط لها بالتقليد التعبّدي.
وأمّا الطائفة الثالثة الواردة في إرجاع بعض الشيعة إلى بعض ، فالظاهر أنّها ليست بصدد التأسيس وجعل الحجية لقول الفقيه أو الراوي تعبّدا ، بل تكون إمضاء لما استقرّت
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٠.
(٢) أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٣٧٨ ، كتاب الحجة ، باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام.