مثل الوجوب حكم شرعي يحتاج إلى الدليل ، والجمع المعتبر هو الجمع الذي يساعد عليه العرف ، كما هو الحال بين العامّ والخاص والمطلق والمقيد وكالأمر بشيء ثم الترخيص في تركه ، حيث يحمل الأمر حينئذ على الاستحباب. وليس المقام كذلك ، بل مفاد أحد الدليلين ثبوت الزكاة بنحو الوضع ومفاد الآخر نفيها من غير إشعار فيه بثبوتها بنحو الاستحباب : فالدليلان متناقضان متباينان ، فيجب الأخذ بما خالفهم.» (١)
وأجاب عن ذلك في الجواهر ما حاصله :
«انّه لا تنافي بين التقية وبين الندب على أن تكون التقية بالتعبير عن الندب بما ظاهره الوجوب اعتمادا على قرينة خارجيّة وجمعا بين التقية والواقع.
ودعوى أنّ المراد بالأمر حينئذ الوجوب تقيّة فلا دليل على الندب ، يدفعها أصالة حجية قول المعصوم ، وأنّه في مقام بيان حكم شرعي واقعي. وكما أنّ التقيّة في مقام العمل تقتصر فيها على أقلّ ما تندفع به كذلك المستعمل فيها من قول المعصوم. ومن ذلك ما نحن فيه ، ضرورة إمكان كون التقيّة في ذلك التعبير الذي ذكرناه ، فيبقى الندب بعد معلومية عدم إرادة الوجوب» (٢).
ومحصّل كلامه : أنّ مفاد الأمر ينحلّ إلى الطلب ، وخصوصيّة الوجوب. والتقيّة تندفع برفع اليد عن خصوصيّة الوجوب ، فيبقى أصل الطلب مرادا ، إذ الضرورات تتقدّر بقدرها.
أقول : مبنى كلامه استعمال الأمر في الوجوب ، وكونه مركبا من أصل الطلب والمنع من الترك كما اشتهر. وكلاهما فاسدان ، إذ الوجوب والاستحباب ليسا مفادا للّفظ بحيث يستعمل فيهما ، بل الصيغة وضعت للبعث والتحريك القولي في قبال التحريك العملي. وإن شئت قلت : وضعت للطلب وهو أمر بسيط.
نعم ، البعث والطلب من قبل المولى موضوع لحكم العقل بلزوم الإطاعة واستحقاق العقاب على المخالفة ، إلّا أن يرخّص المولى بنفسه في الترك. فما وضع له اللّفظ واستعمل فيه هو
__________________
(١) الحدائق ، ج ١٢ ، ص ١٠٨.
(٢) الجواهر ، ج ١٥ ، ص ٧٤.