يعملون بوثوقهم وعلمهم وقول أهل الخبرة طريق علم لهم.
فان قلت : سيرة العقلاء في مقام إحراز الواقعيات في الأمور الشخصية وإن كانت كذلك ولكن بنائهم في الأمور المربوطة بالموالي والعبيد والاحتجاجات الدائرة بينهم على العمل بظواهر الألفاظ وقول الثقة وأهل الخبرة ونحو ذلك بما أنها ظنون نوعية ولا يسمع في مقام الاحتجاج اعتذار العبد المخالف لقول أهل الخبرة مثلا إذا اعتذر بأنه لم يحصل له الوثوق بقوله ، ففي الأمور المربوطة بالموالي والعبيد إذا عمل العبد بما ذكر لم يكن للمولى حجة عليه ولو خالف كان له حجة عليه.
قلت : نعم لو لم يتمكن العبد من الاحتياط ولم يكن له طريق آخر او كان الاحتياط موافقا للطريق الذي قام له والّا فلو فرض أن العبد علم بحصول وظائف له من قبل المولى ولم يحصل له الوثوق بسبب قول أهل الخبرة مثلا وكان متمكنا من الاحتياط او الرجوع إلى طريق آخر يطمئن به فلم يرجع إليه ولم يحتط بل عمل بقول الأوّل واتفق مخالفته للواقع وكان الأمر من الأمور المهمة فهل ليس للمولى عتابه ولومه وهل يكون معذورا عند وجدانه؟! فاذا فرض إحالة المولى امور ولده العزيز لديه إلى عبده فمرض الولد مرضا شديدا مهما دار أمره بين الحياة والموت فأتى به العبد إلى طبيب واتفق انه حصل في خاطره الظن باشتباه الطبيب او شك في صحة تشخيصه وكان قادرا على الرجوع إلى طبيب آخر او هيئة طبية فلم يفعل واتفق موت الولد بسبب علاج الطبيب الأوّل فاذا علم المولى بذلك فهل ليس له مؤاخذة العبد وهل يسمع اعتذاره بأنه رجع إلى أهل الخبرة وعمل بقوله؟!
ولا يخفى ان المسائل الدينية كلها مهمة ونظائر لولد المولى. والشرع أحالها إلينا فيجب علينا امتثالها بالعلم او العلمي فاذا نصب من قبله طريق لنا فلا محالة نأخذ بمفاد دليله واطلاقه حجة قهرا واما إذا لم ينصب لنا طريقا بل كانت الطرق هي الطرق العقلائية كظواهر الألفاظ وقول الثقة او المفتي على مذاق الأصحاب ففي غير صورة حصول الوثوق الشخصي يشكل الأخذ بها كما بيّناه. والسرّ في ذلك وجود العلم الإجمالي بالتكاليف من قبل الشارع من طرف وعدم وجود التعبد والتقليد من الغير تعبدا بدون الوثوق الشخصي عند العقلاء من طرف آخر فتدبر جيّدا.