وبتقرير آخر : الحكم ثابت لأشخاص الجسم فلا ينافي ثبوته لكلّ واحد منها من حيث نوعه أو صنفه المتقوم به عند الملاقاة ، فقولهم : «كلّ جسم لاقى نجسا فهو نجس» لبيان حدوث النجاسة في الجسم بسبب الملاقاة من غير تعرّض للمحلّ الذي يتقوّم به ، كما إذا قال القائل : «إنّ كلّ جسم له خاصيّة وتأثير» مع كون الخواصّ والتأثيرات من عوارض الأنواع ...» (١)
أقول : ما ذكره (ره) بطوله لا تقنع به النفس ، بداهة أنّ الجسم الخاصّ ـ كالحنطة مثلا ـ إذا تنجّس بالملاقاة لا يرى الوجدان لحيثيّة كونه حنطة دخلا في تأثّره بالنجاسة العارضة بحيث لو كان شعيرا مثلا لم يتأثّر بذلك ، بل المتأثّر بها بحسب الوجدان هي الحيثيّة المشتركة بين الحنطة والشعير أعني كونه جسما ملاقيا لنجس ، وهذا بخلاف الخواصّ والآثار الثابتة للأجسام فإنّ خاصية الحنطة ثابتة لها بما أنّها حنطة ، كما أنّ خاصيّة الشعير تثبت له بما أنّه شعير. وبالجملة فاختلاف الأجسام في الخواصّ والآثار تابع لاختلافها في الصورة النوعيّة المقوّمة لكلّ منها ، وهذا بخلاف التأثّر من النجاسة العارضة بالملاقاة فإنّ الأجسام مشتركة في ذلك وهذا يكشف عن كون معروضها الحيثيّة المشتركة أعني الجسميّة ، فتدبّر. هذا. ولكن لا يخفى أنّ بناء نظام الطبيعة على أساس تبدّل الأجسام وتغيّرها ووقوع الذوات النجسة والمتنجّسة في طريق تكوّن النبات والحيوان والإنسان ، فكما تقع العذرات والأبوال والميتات وغيرها في طريق تكوّن النباتات والحيوانات وتصير من أجزائها بالاستحالة فكذلك الأمر في المتنجّسات : فينجذب التراب أو الماء المتنجّس إلى الأشجار وتنمو بها ثمارها ، وتشرب أو تأكل البهائم والطيور والدّجاجات من المياه أو الأغذية المتنجّسة كثيرا بمرأى ومنظر المسلمين في جميع الأعصار حتى في أعصار الأئمة عليهمالسلام ومع ذلك جرت سيرتهم على معاملة الطهارة مع ثمار الأشجار ولحوم الحيوانات وألبانها وأبوالها وأرواثها وبيض الدجاجات فيكشف هذا عن كون الاستحالة في المتنجّسات أيضا رافعة لحكمها ، ولا يمكن القول بكون القذارة والخباثة في المتنجّس أشدّ من النجس.
__________________
(١) نفس المصدر والصفحة.