أقول : هذا ما اختاره بعض المتاخرين ، وذهب القدماء من القوم إلى أن القضية السالبة لا تشتمل على النسبة ، بل يكون مفادها سلب النسبة وقطعها لا بأن تعتبر أولا بين الطرفين نسبة ثبوتية ثم ترفع وتسلب ، بل السلب عندهم يتوجه أولا إلى نفس المحمول ، ولكن سلب المحمول عن الموضوع عبارة اخرى عن سلب الانتساب بينهما ، كما أن الموجبة لا يعتبر فيها أولا نسبة ثبوتية ثم تثبت للموضوع ، بل يثبت فيها أولا نفس المحمول للموضوع ، ومع ذلك يقال إن فيها إيجاب النسبة وإيجادها ؛ والسر في ذلك أن النسبة معنى حرفي آليّ ، فلا يتعلق بها لحاظ استقلالي إلا بنظر ثانوي مساوق لخروجها من كونها نسبة بالحمل الشائع ، فالذي يتوجه إليه الذهن أولا ويراه مفادا للقضية إنما هو إثبات شيء لشيء أو سلبه عنه ، ثم بالنظر الثانوي يرى أن الموجبة تشتمل على نسبة وارتباط بين الموضوع والمحمول ، والسالبة لا تشتمل إلا على سلب النسبة والارتباط ، لا على ارتباط يكون بنفسه أمرا عدميا. هذا بعض ما قيل في المقام ، وتحقيق المطلب خارج من عهدة فن الأصول.
وربما يستشكل على مبنى سيدنا الأستاذ ـ مد ظلّه العالي ـ بأن المراد بالعدم الرابط إن كان صورته الذهنية المتحققة في القضية الذهنية ، ففيه : أنها ليست عدما بالحمل الشائع ، بل هي أمر موجود في الذهن ، وإن كان المراد به ما به يرتبط الموضوع والمحمول في الخارج ، نظير الكون الرابط في الموجبات المركبة. ففيه : أن مقتضى ذلك هو أن يتحقق في الخارج أمر يكون حقيقة ذاته العدم والبطلان ويكون مع ذلك رابطا بين الموضوع والمحمول ، وهذا واضح الفساد ، مع أنه من الممكن أن لا يكون شيء من الطرفين موجودا في الخارج ، كما في السالبة بانتفاء الموضوع ، فيلزم على هذا أن يتحقق في الخارج عدم رابط بين عدمين ، وفساد هذا أوضح من السابق.
لا يقال : مقتضى ما ذكرت أن لا تكون السالبة مشتملة على النسبة مع أن تقوّم القضية بالنسبة.
فإنا نقول : لا نسلم توقفها مطلقا على النسبة ، بل هي أمر يتقوّم ويتحقق إما بالنسبة أو بسلبها ، فمفاد الموجبة تحقق الارتباط بين الطرفين ، ومفاد السالبة عدم تحققه بينهما. (١)
__________________
(١) نهاية الأصول ، ص ٣٣٦.