فإن قلت : على هذا لا يمكن تجويز الشارع ترك النهي عن المنكر.
قلت : هو كذلك لو كان المبغوض فعليا ولم يكن في النهي مفسدة غالبة ، فلو ورد منه تجويز الترك كشف عن مفسدة في النهي أو مصلحة في تركه. فدعوى السيّد الطباطبائي في تعليقته على المكاسب عدم قبح ترك النهي عن المنكر في غير محلّها.
ثم إنّ العقل لا يفرّق بين الرفع والدفع بل لا معنى لوجوب الرفع في نظر العقل ، فإنّ ما وقع لا ينقلب عما وقع عليه ، فالواجب عقلا هو المنع عن وقوع المبغوض سواء اشتغل به الفاعل أو همّ بالاشتغال به وكان في معرض التحقق ، وما يدرك العقل قبحه هو هذا المقدار لا التعجيز بنحو مطلق حتى يشمل مثل ترك التجارة والزراعة والنكاح إلى غير ذلك.
نعم الظاهر عدم الفرق بين إرادته الفعلية وما علم بتجدّدها بعد البيع لا سيّما إذا كان البيع سببا له كما مرّ.
ولو بنينا على أنّ وجوب النهي عن المنكر شرعي فلا ينبغي الإشكال في شمول الأدلّة للدفع أيضا لو لم نقل بأنّ الواجب هو الدّفع ، بل يرجع الرفع إليه حقيقة ، فإنّ النهي عبارة عن الزجر عن إتيان المنكر وهو لا يتعلق بالموجود إلّا باعتبار ما لم يوجد ، فإطلاق أدلّة النهي عن المنكر شامل للزجر عن أصل التحقق واستمراره ، بل لو فرض عدم إطلاق فيها من هذه الجهة وكان مصبّها النهي عن المنكر بعد اشتغال العامل به فلا شبهة في إلغاء العرف بمناسبة الحكم والموضوع خصوصيّة التحقق.
فهل ترى من نفسك أنّه لو أخذ أحد كأس الخمر ليشربها بمرأى ومنظر من المسلم يجوز التماسك عن النهي حتى يشرب جرعة منها ثم وجب عليه النهي؟ وهل ترى عدم وجوب النهي عن المنكر في الدفعيات؟! ولعمري أنّ التشكيك فيه كالتشكيك في الواضحات.» (١)
__________________
(١) نفس المصدر ، ج ١ ، ص ١٣٦ (ـ ط. اخرى ، ج ١ ، ص ٢٠٣)