قال الأستاذ (ره) بعد نقل هذا الكلام :
«وهو في كمال الإتقان ، وحاصله دعوى منافاة أدلّة النهي عن المنكر المستفاد منها أنّ سبب تشريعه ـ لو كان شرعيا ـ قلع مادّة الفساد والعصيان لا سيما مع تلك التأكيدات فيه والاهتمام به من وجوبه بالقلب واليد واللسان ، ودلالة بعض الأحاديث على إيعاد العذاب لطائفة من الأخيار لمداهنتهم أهل المعاصي وعدم الغضب لغضب الله ـ تعالى ـ والنهي عن الرضا بفعل المعاصي ، والأمر بملاقاة أهلها بالوجوه المكفهرة وغيرها وكذا سائر ما ذكره ، مع تجويز بيع التمر ممن يعلم أنّه يجعله خمرا ، والخشب ممن يجعله صنما وصليبا أو آلة لهو وطرب. مع أنّ فيه إشاعة الفحشاء والمعاصي وترويج الإثم والعصيان وملازم للرضى بفعل العاصي.» (١)
ثم شرع الأستاذ (ره) في بيان أصل الاستدلال بالتعبير الذي ذكره المصنّف ـ وقد أدّى حقّه ـ فقال ما ملخصه :
«أنّ دفع المنكر كرفعه واجب ، بناء على أنّ وجوب النهي عن المنكر عقليّ كما صرّح به شيخنا الأعظم وحكى عن شيخ الطائفة وبعض كتب العلّامة وعن الشهيدين والفاضل المقداد. وعن جمهور المتكلمين منهم المحقق الطوسي عدم وجوبه عقلا بل يجب شرعا ، والحقّ هو الأوّل لاستقلال العقل بوجوب منع تحقق معصية المولى ومبغوضه وقبح التواني عنه سواء في ذلك التوصل إلى النهي أو الأمور الأخر الممكنة. فكما تسالموا ظاهرا على وجوب المنع من تحقق ما هو مبغوض الوجود في الخارج سواء صدر من مكلّف أم لا ، فكذلك يجب المنع من تحقق ما هو مبغوض صدوره من مكلّف فإنّ المناط في كليهما واحد ، وهو تحقق المبغوض ، فإذا همّ حيوان بإراقة شيء يكون إراقته مبغوضة للمولى ورأى العبد ذلك وتقاعد عن منعه يكون ذلك قبيحا منه ، كذلك لو رأى مكلفا يأتي بما هو مبغوض لمولاه لاشتراكهما في المناط ، والحاكم به العقل.
__________________
(١) المكاسب المحرمة للإمام الخميني (ره) ، ج ١ ، ص ١٣٥ (ـ ط. اخرى ، ج ١ ، ص ٢٠٣) ، في النوع الثاني من القسم الثاني.