والذي يدلّ على الأوّل : أنّه لو وجبا عقلا لكان في العقل دليل على وجوبهما ، وقد سبرنا أدلّة العقل فلم نجد فيها ما يدلّ على وجوبهما ...
ويقوي في نفسي أنّهما يجبان عقلا : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما فيه من اللطف ...» (١)
أقول : أنت ترى أنّ كلامه لا يخلو من تهافت. والظاهر أنّ مقصوده من اللطف فعل ما يقرّب العبيد إلى الطاعة ويبعّدهم عن المعصية ، فلطف الله ـ تعالى ـ بعباده يقتضي وجوبهما من قبله.
وعلى هذا فمرجع كلامه إلى كون وجوبهما من قبل الشارع غاية الأمر كشف ذلك بحكم العقل ، ولم يرد كون وجوبهما بحكم العقل نفسه ، نظير وجوب الإطاعة التي لا مجال فيها لحكم الشرع وإلّا لتسلسل كما قرّر في محلّه.
وفي الجواهر بعد قول المصنّف بوجوبهما إجماعا قال :
«من المسلمين بقسميه عليه ، مضافا إلى ما تقدم من الكتاب والسنّة وغيره ، بل عن الشيخ والفاضل والشهيدين والمقداد أنّ العقل مما يستقلّ بذلك من غير حاجة إلى ورود الشرع ، نعم هو مؤكّد.» (٢)
ولكن المحقّق الطوسي (ره) منع من وجوبهما عقلا وحكم بكونه بحكم السّمع ، قال في آخر التجريد :
«والأمر بالمعروف الواجب واجب وكذا النهي عن المنكر ، والمندوب مندوب سمعا ، وإلّا لزم خلاف الواقع أو الإخلال بحكمته ـ تعالى ـ»
وقال العلّامة في شرحه :
«... وهل يجبان سمعا أو عقلا؟ اختلف الناس في ذلك ، فذهب قوم إلى أنّهما يجبان سمعا للقرآن والسنة والإجماع ، وآخرون ذهبوا إلى وجوبهما عقلا. واستدلّ
__________________
(١) الاقتصاد ، ص ١٤٦ ، فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(٢) الجواهر ، ج ٢١ ، ص ٣٥٨ ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.