ولكن المجرى ليس صحّة العقد بما هو عقد ، بل صحّة العمل الصادر عن العاقل المقيّد بشرع خاص ، فيحمل عمله على صدوره على طبق الموازين العقلائية المشروعة للأهداف المشروعة لهذا العمل. فحيث إنّه كان في عمله هذا بصدد إيجاد العقد فلا محالة صدر عنه على طبق الموازين ، فوجد جامعا للأركان والشرائط معا.
ويدلّ على ما ذكرنا وجود السيرة على إجراء أصل الصحّة في معاملات المسلمين وإن أحتمل فقدانها لبعض الأركان ، فضلا عمّا إذا رجع الشكّ إلى شرط المتعاقدين أو العوضين.
والحاصل إنّ مجرى أصالة الصحّة أعمال الناس بما هي اعمال صادرة عن العاقل المختار. فيحمل كلّ عمل على صدوره على طبق الموازين للأهداف المتوقعة منه. ومن مصاديق الأعمال الصادرة عنهم عقودهم وإيقاعاتهم. فعليك بالتفكيك بين العناوين والحيثيّات.
وهذا نظير ما قلنا في باب المفاهيم من أن دلالة القيد على الدخالة والمفهوم ليس من قبيل دلالة اللفظ بما هو لفظ حتى يسأل عن كونها من أيّ قسم من الدلالات الثلاث ، بل هي من قبيل دلالة الفعل الصادر عن العاقل المختار على صدوره عنه عن التفات للهدف العقلائي والغاية الطبيعية له. والغاية الطبيعية للقيد هو الدخالة في الموضوع. ولازمه الانتفاء عند الانتفاء ، فتدبّر.
وكيف كان فأصل الصحّة يجري في عقد الغير ولو كان الشكّ راجعا إلى شرط العوضين ، كما في المقام ، حيث يشكّ في وجود الزكاة أو الخمس فيما ينقله.
فان قلت : الشكّ في المقام ليس في صحّة عقد الغير ، بل في صحّة العقد الجاري بينه وبين نفس الشاكّ.
قلت : قد عرفت انّ المجرى ليس صحة العقد ، بل صحّة عمل الغير. والعمل الصادر عنه هنا هو الإيجاب. والعاقل المختار المتشرع لا يوجد الإيجاب بحسب الغلبة إلّا بنحو يترتّب عليه الأثر بعد لحوق القبول وانضمامه اليه. وهذا هو معنى الصحة فيه. فلا محالة وجد في المحل القابل للنقل ، فافهم. هذا ما أردنا ذكره في قاعدة الصحة في المقام. (١)
__________________
(١) كتاب الزكاة ، ج ٢ ، ص ١٠٨ إلى ١١١.