الوجه الثالث : أصالة الصحة في دعوى المسلم وإخباره. ومرجعه إلى أصالة الصحة في عمل المسلم ، فإن القول من الأعمال أيضا. واستدل بها في التذكرة في رد الشيخ القائل بالاحتياج إلى البينة فيمن كان له مال فادعى تلفه.
وفيه أن عمل المسلم لو كان موضوعا لحكم شرعي لنا فبأصالة الصحة في عمله نرتب الإثر الشرعي. كما لو شككنا في صحة عقده وفساده حملناه على الصحة. ولو شككنا في صحة صلاته جاز الاقتداء به.
بل لا تختص الصحة بعمل المسلم ، إذ العقلاء يرتّبون على العقود والمعاملات الواقعة بين الناس من أيّ ملّة كانوا آثار الصحة ، كما يشهد به سيرتهم في تجاراتهم ومعاشراتهم.
ولكن الموضوع للحكم في المقام ليس هو قول المدعي وعمله ، بل الفقير ، فيجب إحرازه.
ثم ليس صدق المدعي وكذبه صحة وفسادا لدعواه ، كما لا يخفى. (١)
«ثم أشار الأستاذ ـ مد ظلّه ـ إلى أدلة اخرى لقبول دعوى الفقر وغيره ونقدها وقال :»
العاشر : ما جعله في الحدائق أمتن الأدلة وأظهرها. ومحصله :
«أن مورد البينة واليمين الدعاوي الجارية بين اثنين ، وفي الأخبار الكثيرة : البينة على المدعي واليمين على من أنكر. ولا دلالة في الأخبار على تكليف من ادعى شيئا وليس له من يقابله وينكر دعواه بالبيّنة او اليمين. قال في المسالك بعد نقل خبر منصور بن حازم الوارد في الكيس : ولأنّه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدعى منه ، ولا لطلب البيّنة منه ، ولا لإحلافه ، اذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك.» (٢)
أقول : يرد عليه اولا أن حجية البيّنة في باب الترافع والمخاصمات لا تنافي حجيتها في غيرها أيضا.
وبناء الفقهاء في الأبواب المختلفة ، كإحراز العدالة والطهارة والنجاسة وغيرها ، على الاعتماد عليها. وتدل على حجيتها مطلقا موثقة مسعدة بن صدقة الحاكمة بحلّية ما شك في
__________________
(١) كتاب الزكاة ، ج ٢ ، ص ٣٥٩ الى ٣٦١.
(٢) الحدائق ، ج ١٢ ، ص ١٦٥.