«لا يشترط في ثبوت الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس حكم الحاكم ، ولكن لو حكم بثبوت الهلال بناء على أيّ طريق في مذهبه وجب الصوم على عموم المسلمين ولو خالف مذهب البعض منهم ، لأنّ حكم الحاكم يرفع الخلاف ، وهذا متّفق عليه إلّا عند الشافعية.»
وفي ذيل الخط :
«الشافعيّة قالوا : يشترط في تحقيق الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس أن يحكم به الحاكم ، فمتى حكم به وجب الصوم على الناس ولو وقع حكمه عن شهادة عدل واحد.» (١)
أقول : ظاهر الصدر رجوع استثناء الشافعيّة إلى الحكم الثاني ، أعني حجّية حكم الحاكم ، ومقتضاه عدم حجيته عندهم ولكن بملاحظة الذيل يظهر رجوع الاستثناء إلى الحكم الأوّل ، أعني عدم اشتراط حكم الحاكم في الشهادة ونحوها من الأمارات. وعلى هذا فحجية الحكم متّفق عليه عندهم.
فهذه بعض كلمات المتاخرين ولكن بعد الرجوع إلى عدّة من كتب الفقه من الشيعة والسنّة في باب الصوم نرى أنّ مسألة حجيّة حكم الحاكم ووجوب العمل بحكمه في الهلال غير معنونة في كثير من الكتب ولم يتعرّضوا لها في عرض سائر الأمارات مع كثرة الابتلاء بها في الصوم والفطر والحجّ في جميع الأعصار.
نعم ، يظهر من فحوى كلماتهم في باب ما يثبت به الهلال أنّ حجيته كأنّها كانت مفروغا عنها عندهم ، حيث ذكروا أنّ البيّنة أو العدل الواحد على القول باعتباره هل يعتبران مطلقا لكلّ أحد أو يتوقّف اعتبارهما على حكم الحاكم؟ فأصحابنا وأكثر علماء السنّة اعتبروا البيّنة لكلّ أحد وقالوا إنّه لا يشترط حكم الحاكم في حقّ من قامت عنده ، وحكي عن الشافعيّة اعتبار حكمه. ولكن كان المناسب البحث في أصل المسألة أيضا ، وكأنّهم تركوا البحث فيها هنا لعدم كون حكم الحاكم في عرض سائر الأمارات بل في طولها ومستندا إلى أحدها أو أنّ محلّ البحث في اختيارات الحاكم وحجيّة حكمه وموارد نفوذه كتاب الأمارة أو القضاء. هذا.
__________________
(١) الفقه على المذاهب الأربعة ، ج ١ ، ص ٥٥١.