الحاكم ، ينافي الأخبار الدّالة على أنّ كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر ، وكلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعلم الحرام بعينه فتدعه ، حيث إنّهم لم يجعلوا من طرق العلم في القاعدتين المذكورتين حكم الحاكم بذلك وإنّما ذكروا اخبار المالك وشهادة الشاهدين ، وعلى ذلك تدلّ الأخبار أيضا.» (١)
أقول : ما ذكره أخيرا من النقض بمثل نجاسة ماء أو حرمة لحم خاصّ ونحوهما من الموضوعات الجزئية الشخصيّة غير وارد ، فإنّ أمر الهلال المتوقّف عليه صوم المسلمين وعيدهم وحجّهم ونحو ذلك يكون من الأمور المهمّة العامّة للمسلمين ، وليس أمرا جزئيّا شخصيا بل هو أمر يبتلي به مجتمع المسلمين حينا بعد حين ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين عليهالسلام والحكّام والقضاة في جميع الأعصار يهتمون به وكان تحقيقه وإثباته من وظائفهم التي يتولّونها ، ولم يكن بناء المسلمين على اعتزال كلّ شخص وانفراده بصومه وفطره ووقوفه وإفاضته ، بل كانوا يرجعون فيها إلى ولاة الأمر من الحكّام ونوّابهم ، كما يشهد بذلك السيرة المستمرة الباقية إلى أعصارنا والروايات الكثيرة التي يأتي بعضها.
فأمور الحج مثلا كانت مفوّضة إلى أمير الحاجّ المنصوب من قبل الخلفاء لذلك ، وربّما كانوا هم بأنفسهم يتصدّون لها والناس كانوا متابعين لهم ، ولم يعهد أن يتخلّف مسلم عن أمير الحاجّ أو يسأل المسلمون حاكما عن مستند حكمه وأنّه البيّنة أو العلم الشخصيّ مثلا ، وقد تحقّق في محلّه جواز حكم الحاكم بعلمه.
فإذا منع الإمام الصادق عليهالسلام في المقبولة عن الرجوع إلى قضاة الجور لكونهم طواغيت وجعل الفقيه من شيعته حاكما بدلهم لرفع حاجات الشيعة فيمكن أن يقال بنفوذ حكمه في كلّ ما كان يرجع فيه إلى القضاة في تلك الأعصار والظروف ومنها كان أمر الهلال قطعا كما هو كذلك في أعصارنا. وإذا أرجع صاحب العصر ـ عجّل الله فرجه ـ شيعته في الحوادث الواقعة لهم إلى رواة حديثهم فأيّ حادثة واقعة أهمّ وأشدّ ابتلاء من أمر الهلال الذي يبتلي به في يوم واحد مجتمع المسلمين؟
اللهم إلّا أن يقال : إنّ مورد السؤال في المقبولة هو المنازعات في مثل الدين والميراث
__________________
(١) الحدائق الناضرة ، ج ١٣ ، ص ٢٥٩.