المخاصمات إذ من الواضح حجيّة البيّنة في المرافعات وعليها يعتمد القضاة ويحكم بها للمدّعي مع كون المدّعى عليه ذا يد غالبا ـ واليد أمارة عقلائية شرعية ـ ومع كون الأصل معه.
فإذا كانت حجّة مع وجود المعارض ففي غيره تكون حجّة بطريق أولى. وظاهر اعتبار الشارع لها في إثبات الحقوق وأسباب الحدود اعتبارها طريقا إلى الواقع ومحرزا له فيثبت بها اللوازم والملزومات أيضا كسائر الأمارات.
وقد كثرت الأخبار الواردة في إثبات الدعاوي والحقوق وموجبات الحدود بالبيّنات.
وفي صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان. الحديث» (١) اللهم إلّا أن يراد بالبيّنة في كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم مطلق الحجّة كما ربّما يشهد بذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد هذه الجملة : «وبعضكم ألحن بحجّته من بعض. الحديث» هذا. وليست الأيمان في عرض البيّنات إذ اليمين لا يثبت بها الواقع ولا تقبل من المدّعي إلّا في موارد خاصة وإنما يعتمد عليها للنفي قطعا للخصومة بعد ما لم يكن للمدّعي بينة على إثبات حقّه.
كيف؟ وبالبيّنات تسفك الدماء وتباح الأموال وتهتك الأعراض. ولو لا حجيّتها وإحرازها للواقع لم يترتب عليها هذه الآثار المهمّة.
نعم ربّما حدّد الشرع اعتبارها في بعض المقامات ببعض القيود لأهميتها فتراه مثلا اعتبر في الزنا واللواط مثلا كون الشهود أربعة ، واعتبر الذكورة في بعض الموارد دون بعض ، ولكن المستفاد من جميعها اعتبارها طريقا لإحراز الواقع وكاشفا عنه.
وبما ذكرنا يظهر المناقشة فيما قد يقال من أنّ الحجيّة في باب المرافعات لا تقتضي الحجيّة مطلقا إذ المرافعات لا بدّ من حلّها وفصلها لا محالة وإلّا لاختلّ النظام فلعلّ البيّنة جعلت حجّة فيها لذلك كالأيمان.
وجه المناقشة : أنّ الظاهر من أدلة البيّنة في المرافعات وفي أبواب الحدود كونها وسيلة لإثبات الحقوق وموجبات الحدود فهي حجّة مطلقا ولذا يعتمد عليها في فصل القضاء لا أنّها جعلت لفصل القضاء فقط والفرق بينها وبين الأيمان واضح كما مرّ فتأمّل.
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ١٦٩ ، الباب ٢ من أبواب كيفيّة الحكم ... ، الحديث ١.