التوارث شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله.
قلت : أولا ان ذلك لجديد الإسلام ، وثانيا أن الشهادة بالرسالة في الحقيقة إقرار بجميع ما جاء به الرسول فإنكار بعضها يرجع إلى إنكار الرسالة.
الثاني : إجماعهم على موضوعية إنكار الضروري ، لعطفه في كلماتهم على من خرج عن الإسلام ، وظاهر العطف المغايرة ولعدم تقييده بالعلم ، ولتقييدهم إياه بالضروري ، إذ لو كان الملاك الرجوع إلى إنكار الرسالة لجرى في كل ما علم أنه من الدين وان لم يكن ضروريا ، ولتمثيلهم له بالخوارج والغلاة والنواصب مع ان كثيرا منهم لا يعلمون بمخالفتهم في ذلك للدين بل ربما يتقربون بذلك إلى الله سبحانه.
الثالث : أخبار مستفيضة متفرقة في الأبواب المختلفة ، وسيأتي ذكرها.
أقول : يرد على الأوّل أن مقتضاه كفر من أنكر واحدا من أحكام الإسلام سواء كان ضروريا او غيره وسواء كان عالما بكونه من الإسلام او جاهلا مقصرا او قاصرا حتى انه يجوز تكفير كل مجتهد لغيره إذا أفتى بخلاف ما افتى به هذا المجتهد لأنّه بفتواه بخلاف هذا المجتهد أنكر ما أفتى به هذا ، ولا يمكن أن يلتزم بهذا أحد.
ويرد على الثاني منع الإجماع في المسألة لما عرفت من أن عنوان مسألة الضروري وإيجاب إنكاره للكفر كان من المحقق ومن بعده فيما أعلم ولم يكن في كلمات القدماء ذكر منه والتمثيل بالغلاة والخوارج أيضا في كلمات المتاخرين.
نعم مرّ من ابن زهرة في الغنية : «الجحد بما يعم فرضه والعلم به من دينه.» ، ولكن لا يخفى ان كلمة «الجحد» لا تطلق إلّا في الإنكار مع العلم ، ففي الصحاح : «الجحود الإنكار مع العلم» ، وفي المفردات «الجحود نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه ... قال ـ عزوجل ـ : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)» (١). وذكر المتاخرين للضروري لعلّه كان من جهة أن ضرورية المسألة وكونها بديهية سبب للعلم بها فأرادوا بذلك كون الإنكار عن علم او لكونها أمارة على كون المنكر عالما بكونها من الدين إذا كان الشخص ممن نشأ في محيط المسلمين فلو أنكر أحد مثلا كون الزوايا الثلاث في المثلث مساوية لقائمتين امكن كون إنكاره
__________________
(١) سورة النمل (٢٧) ، الآية ١٤.