نعم لو كان الدليل لها الملازمة بين حرمة الشيء وحرمة مقدّمته أو عموم دليل الإعانة على الإثم لتمّ ما ذكره في الجملة ، لكن كلام الشيخ أعمّ من ذلك. ودعوى الانصراف المذكور جزافيّة. ونظير ذلك أن يدّعي انصراف أدلّة تحريم الزنا إلى ذات البعل مثلا. والالتزام بمثل هذه الانصرافات يستدعي تأسيس فقه جديد.» (١)
وثانيا : لو سلّم انصراف دليل التكليف إلى صورة القصد المذكور فلم لا يقال بانصراف دليل الوضع أيضا إلى هذه الصورة؟ وعلى هذا فلا تفسد المعاملة مع قصد المنافع المحلّلة العقلائيّة وإن كانت نادرة إذا كانت يرغب فيها. بل مرّت دلالة رواية تحف العقول على دوران حرمة المعاملة مدار الآثار المحرّمة ، حيث علّل فيها حرمة بيع النجس وغيره بقوله : «لما فيه من الفساد» وصرّح فيها بحلّيّة الصنائع المشتملة على جهة الفساد والصلاح معا. وفي ذلك إشعار بحلّيّة المعاملة عليها أيضا إذا وقعت بقصد المنافع المحلّلة.
وعمدة الدليل على حرمة بيع المحرّمات وفساده هو الإجماع. والمتيقّن من موارده صورة القصد المذكور. ومقتضى ذلك جواز بيع الخمر للتخليل والدّم للتزريق بالمرضى مثلا.
والشيخ وأمثاله وإن حملوا لفظ الحرمة في الرواية على الحرمة التكليفيّة لكن نحن منعنا ذلك وقلنا باستعمال اللفظ في الأعم من التكليف والوضع وأقمنا لذلك شواهد.
هذا مضافا إلى أنّ الشيخ (ره) لا يقول بجعل الأحكام الوضعيّة مستقلا بل بانتزاعها من الأحكام التكليفيّة (٢). فإذا قال بانصراف التكليف في المقام إلى صورة القصد المذكور كان اللازم أن يقول بانصراف الوضع أيضا لأنّه فرعه.
وثالثا : أنّ مقتضى كون الموضوع للحرمة التكليفية المسبّب أعني حقيقة النقل والانتقال هو صحّة المسبّب وتحقّقه بإيجاد سببه ، إذ الحرمة التكليفيّة تتعلّق بما هو تحت اختيار المكلّف. فإن كان المسبّب يتحقّق بسبب إيجاد سببه كان مقدورا للمكلّف بالقدرة على سببه. وإن كان لا يتحقّق بذلك فلا يكون تحت اختياره حتى يحرم عليه.
وبعبارة اخرى : النهي عن حقيقة المعاملة يكشف عن صحّتها لو أوقعت وإلّا لم يكن
__________________
(١) مصباح الفقاهة ، ج ١ ، ص ٢٩.
(٢) راجع فرائد الأصول ، ص ٣٥٠.