بألفاظ لا وجه لأن يكون حراما. وهكذا قصد تحقّق المنشأ من حيث إنّه أمر قلبيّ. وأمّا حرمة الآثار فهي مترتّبة على فساد المعاملة وحرمتها ؛ لا أنّها هي المحرّمة ابتداء. فما يكون محرّما حقيقة هو نفس التبديل الذي اعتباره بيد مالكه لو لا نهي الشارع الذي هو مالك الملوك. وبعبارة اخرى : نفس المنشأ بالعقد هو المحرّم لا آلة الإيجاد ولا القصد ولا الآثار.» (١)
أقول : بيانه في الحقيقة تنقيح لكلام الشيخ بنحو لا يرد عليه ما مرّ من الإشكالات. ويظهر من قوله : «لو لا نهي الشّارع» أنّ مقصوده بالتبديل ليس حقيقة التبديل والتبدّل بل القسمة التي تكون بيد المتعاملين ، وبعبارة اخرى : النقل والانتقال اللولائي ، فلا يرد عليه الإشكال الثالث أيضا. نعم يمكن أن يقال : إنّ المنشأ مع قطع النظر عن إمضاء الشرع لا واقعيّة له إلّا بواقعيّة الإنشاء. فمآل هذا القول والقول الرابع الذي يأتي عن الأستاذ الإمام إلى أمر واحد ، فتأمّل.
القول الثالث : ما في حاشية المحقّق الإيرواني ، قال :
«بل معنى حرمة الاكتساب هو حرمة إنشاء النقل والانتقال بقصد ترتيب أثر المعاملة أعني التسليم والتسلّم للمبيع والثمن ، فلو خلّي عن هذا القصد لم يتّصف الإنشاء الساذج بالحرمة. وأمّا قصد ترتيب المشتري للأثر المحرّم وصرف المبيع في الحرام فلا دليل على اعتباره. ودعوى انصراف مثل لا تبع الخمر إلى ما لو أراد بالبيع شرب المشتري لها مجازفة.» (٢)
أقول : لو اقتصر على هذا الكلام أمكن توجيهه بأنّه لا يريد تقييد الإنشاء المحرّم شرعا بقصد التسليم والتسلّم حتى يورد عليه بعدم الدليل على هذا التقييد ، بل يريد بيان أنّ الحرام هو الإنشاء عن جدّ في قبال الإنشاء الصوري. وعلامة الجدّ أنّه يرضى بالتسليم عقيبه فذكر القصد المزبور لبيان كون الموضوع للحرمة الإنشاء الجدي كما في القول الرابع.
ولكنّه ـ قدسسره ـ ذكر قبل ذلك ما يستفاد منه أنّ المحرّم في الحقيقة هو الإقباض والتسليم لا البيع. قال ما ملخّصه :
__________________
(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٣.
(٢) حاشية المكاسب للمحقّق الإيرواني ، ص ٣.