أسرة. والسكان فيها متكاثفون ، ولكنهم يفتقرون للتهذيب. وكان في آسفي ، فيما مضى من الزمن ، الكثير من الصناع وقرابة مائة بيت من اليهود. والأراضي المجاورة لها خصبة جدا ، ولكن الناس ليسوا أذكياء ولا يعرفون كيفية زراعتها ، حتى ولا زراعة الكرمة فيها. غير أن لديهم مع ذلك بضعة بساتين للخضر صغيرة. وعندما أخذت قوة ملوك مراكش بالأفول ، استولت على السلطة في آسفي أسرة تدعى أسرة فرهون. وفي زمني (٢١٨) كانت المدينة في يد أمير شجاع اسمه عبد الرحمن ، وهو الذي قتل أحد أعمامه كي يستأثر بالسلطة (٢١٩).
وبعد هذا أخضع المدينة واحتفظ بإمارتها لنفسه لمدة طويلة. وكان لهذا الرجل ابنة بارعة الجمال شغفت حبا برجل من العامة ، ولكنه كان رئيس حزب كبير العدد ، يدعى علي بن واشيمان (٢٢٠) الذي استطاع بالتواطؤ مع أمها وإحدى الإماء ، أن يضاجع هذه البنت عدة مرات. ولما نقل الخبر إلى أبيها بواسطة الأمة استشاط غضبا من زوجته وهددها بالموت ، ولكن تظاهر بعدئد أنه لم يعد يهتم بهذه القضية. غير أن الزوجة التي كانت تعرف بطش زوجها انذرت عشيق ابنتها بأن يأخذ حذره. ولما أصبح «علي» خائفا على حياته فعلا قرر قتل عبد الرحمن. وأسرّ ذلك لرجل شاب جريء كان هو أيضا زعيما على عدد من المحاربين المشاة وكانت له فيه ثقة مطلقة (٢٢١). وأصبح الاثنان على قلب واحد لا ينتظران سوى الفرصة السانحة. وأسرّ الملك ، من جهته ، إلى علي يوم عيد الأضحى بأنه راغب في أن يقوم معه ، بعد صلاة العيد ، بنزهة على الخيل للترويح عن النفس. وأن
__________________
(٢١٨) سيقول الحسن فيما بعد أنه ذهب إلى آسفي عام ٩٠٦ ه / ١٥٠٠ م وسنه حينئذ ١٢ سنة.
(٢١٩) كان هذا العم ، الذي كان يدعى رسميا أحمد بن علي ، مشتهرا باسم حمّادوش بن فرهون ، الذي سجل البرتغاليون اسمه على شكل امادوكس بن فارام. وبتاريخ ١٦ تشرين الأول (أكتوبر) ١٤٨٨ م عهد ملك البرتغال ، حنا الثاني ، إلى هذا الشخص بزمام قيادة آسفي ، تلك المدينة التي كانت حينئذ تحت الحماية البرتغالية قبل عام ١٤٨١ م. وفي ايلول (سبتمبر) ١٤٩٨ م قررت حكومة البرتغال عزل القائد أحمد ، الذي كان قد بلغ أرذل العمر ، لمصلحة ابن أخيه ، عبد الرحمن ، وبعثت رسولا للقائد أحمد بهذا الخصوص. ولكن الأمور لم تمر بسلام ، فقد نشب شجار عنيف بين عبد الرحمن وأخ له انتهى بأن أغمد عبد الرحمن نصل رمحه في جسد أخيه. ونادى السكان بعبد الرحمن قائدا ، وتصالح القائد القديم مع ابن أخيه ، وناشد الجمهور طالبا منه الطاعة لعبد الرحمن.
(٢٢٠) يظهر علي بن واشيمان في الوثائق البرتغالية تحت اسم عليّ بن كسيمن ، وذلك ابتداء من شهر حزيران (يونيو) ١٥٠٠ م. ففي ذلك التاريخ أوفد برسالة من قبل قريبة قائد آسفي ، عبد الرحمن ، إلى ملك البرتغال عما نوئيل الأول ورجع إلى عبد الرحمن حاملا له إجابة الملك على رسالته.
(٢٢١) هذا الشخص الذي لم يكن شابا كان يدعى أبا زكريا يحيى بن محمد تعفوفت.