الممكن في هذا الوضع الاستيلاء على المدينة بأقل النفقات. ولم يقف أمرهم مع هذا الزعيم عند هذا الحد ، بل لقد حصلوا منه على موافقة بأن يدعهم يبنون حصنا لهم على سيف البحر لكي يضعوا فيه بضائعهم في أمان ، متذرّعين بأنهم تعرضوا ، على أثر موت الملك ، لإتلاف قسم كبير من أرزاقهم ونهبها. فشيّدوا حصنا منيعا جدا نقلوا إليه سرّا «طبنجات» وبنادق ضمن براميل الزيت وفي رزم البضائع. ولم يكن أهل البلدة يطلبون منهم أكثر من أن يدفعوا الرسوم المقررة من مكس وسواه. ولما أصبح لدى البرتغاليين ما يكفي من أسلحة الدفاع والهجوم ، راحوا يبحثون عن فرص مختلفة لإثارة الاضطرابات والخلافات مع المسلمين. وهكذا استطاع غلام لأحد هؤلاء التجار ، وكان يشتري لحما ، أن يستثير غضب البائع الذي يشتري منه ، حتى نفذ صبر البائع فصفع هذا الغلام ، فما كان من الغلام إلا أن استلّ خنجره وأغمده في صدر البائع المسكين الذي سقط ميتا في الحال. وعلى أثر ذلك هرب القاتل والتجأ إلى الحصن البرتغالي. وقد أدّى موت هذا الرجل إلى ثورة الأهالي الذين أخذوا اسلحتهم وسارعوا إلى الحصن البرتغالي لنهبه وتقطيع من فيه إربا إربا. ولكن هؤلاء حينما رأوا الجمهور يقترب منهم فتحوا عليهم نيران بنادقهم وراشقات سهامهم. وحدث ولا حرج عن هرب المسلمين مذعورين إذ سقط منهم أكثر من مائة قتيل خلال هذا الهجوم المفاجىء. ولكن هذا لم يحل بينهم وبين محاصرة الحصن خلال بضعة أيام.
وحينئذ ظهر أسطول قادم من لشبونة ، وهو أسطول جهزه الملك لهذا الغرض ، وكان مجهزا بكل أنواع الأسلحة وبقطع من المدفعية الثقيلة فضلا عن كمية كبيرة من المؤن. ونقل عليه خمسة آلاف من الجنود المشاة ومائة فارس (٢٢٥) ، وهكذا انتاب المسلمين الذعر فأخلوا المدينة كي يلجأوا إلى جبال بني ماجر (٢٢٦) ، ولم يبق فيها سوى أسرة الزعيم الذي وافق على بناء الحصن البرتغالي وأنصاره. واحتل قبطان الأسطول المدينة واستدعى الزعيم المذكور ، المسمّى يحيى. وأرسله إلى ملك البرتغال الذي خصص له دخلا طيبا
__________________
(٢٢٥) لقد جاء جزء من هذا الأسطول من جزر ماديرا بتاريخ ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ١٥٠٧ م. وقدمت أربع سفن منه من البرتغال في مطلع شهر كانون الثاني (يناير) ١٥٠٨ م. ولا يعتقد أن عدد رجال الحملة تجاوز ١٥٠٠ رجل. وقد ظل الأسطول مرابطا تجاه آسفي مدة ثلاثة أشهر.
(٢٢٦) لا نزال نجهل تاريخ احتلال البرتغاليين لآسفي ، ولكن استنادا إلى النص ، حدث هذا على الأرجح بعد وصول الأسطول بقليل.