وهكذا دخلت عليه وقبلت يده من جديد ، وبعد ان أسمعته اكثر عبارات المجاملة قدمت له الهدايا وقد كان لها أكبر انشراح عارم على نفسه ، كما لاحظت ذلك. وأخيرا قدمت له قصيدة عمي التي طلب من احد كتابه قراءتها. وبينما كان هذا يشرح له ما كانت تتضمنه القصيدة نقطة نقطة لمحت على وجه الأمير علائم الفرح الشديد. وعند ما انتهت القراءة والترجمة ، جلس الامير لتناول طعامه وأجلسني على مقربة منه. وكانت الوجبة تتألف من لحم خروف مشوي ومسلوق مغلف برقائق عجينة غاية في الرقة (٢٩٨) ، تشبه نوعا من الفطائر الإيطالية المسماة لازانياLasagne ولكنها اكثر منها سماكة وتماسكا ثم جيء بالكسكسي والفتات وأنواع طعام أخرى لم أعد أتذكرها الآن مطلقا. وبعد أن فرغنا من تناول الطعام نهضت وقلت : «لقد أرسل عمي لسموكم هدية صغيرة ، كتلك التي يستطيع أن يقدمها عالم فقير ، كي يعبر لكم عن حسن نيته التي يحس بها ولكي تحتفظوا له بخير صغير في ذاكرتكم. أما بالنسبة لي ، أنا ابن أخيه وتلميذه ، لما كنت أفتقر لوسيلة أثني بها عليكم ، فليس لي ما أقدمه سوى الكلمات. ومهما كانت ضآلتي في الواقع ، فإني أتمنى أن أكون محسوبا بين خدام معاليكم». وبعد ان قلت كلمتي هذه ، أخذت بإلقاء قصيدتي ، وفي أثناء القراءة كان الأمير يطلب تارة شرح ما استعصى عليه فهمه ، وتارة اخرى كان ينظر الي ، انا الذي لم أكن أكثر من فتى له من العمر ستة عشر عاما. (٢٩٩) ولما فرغت من قراءتي ، ودعني ، لأنه كان متعبا من الصيد وكانت ساعة النوم قد أزفت. وفي صبيحة الغد دعاني في وقت مبكر لتناول الفطور معه. وبعد أن تناولنا طعامنا ، أعطاني مائة دينار لتسليمها الى عمي وعبدين ليخدماه في أثناء رحلته. وأعطاني شخصيا هدية مقدارها خمسون دينارا وحصانا ، وأعطى عشرة دنانير لكل من الشخصين اللذين كانا يرافقاني وكلفني ان انقل إلى عمي بأن هذه الهدايا البسيطة كانت بمثابة شكر على قصيدته وليست تعويضا عن الهدايا التي تلقاها من طرفه ، لأنه يحتفظ له بمظاهر عرفانه العميق عند ما يعود عمي من تومبوكتو. وأمر أحد كاتبيه بأن يرشدني الى الطريق ، وصافحني وأذن لي بالسفر في صبيحة ذلك اليوم ذاته اذ كان عليه ان يقوم بحملة ضد أحد خصومه. وحملت أطيب ذكرى عن مضيفي وعدت الى جوار عمي. وقد حرصت على
__________________
(٢٩٨) الفتات وجبة طعام مؤلفة من لحم ومن قطع خبز ، ولا تزال مرغوبة جدا.
(٢٩٩) وردت هذه العبارة في ترجمة تامبورال (أول من ترجم كتاب الحسن إلى الفرنسية) بهذا النص «الذي لم يكن سنه يتجاوز سبعة عشر عاما» (تامبورال ، ص ٩٩ طبعة ليون سنة ١٥٥٦).