وهذه الولاية ، في الحقيقة ، زهرة كل هذه المنطقة. فهي تضم قرابة اربعين مدينة وحوالي ثلاثمائة قصر يسكنها عدد من العشائر البربرية. وقد ثارت في عام ٣٢٣ ه (٦) بتحريض من داعية شيعي يدعى حاميم بن منّ الله. وقد اقنع هذا الرجل الشعب بألايدين بالطاعة ولا يدفع ضرائب لملوك فاس باعتبار ان هؤلاء كانوا ظالمين ، ولأنه هو نفسه نبي ، حتى لقد استحوذ ، خلال قليل من الوقت ، على السلطتين الزمنية والروحية في هذا الاقليم. وحينئذ شن حربا ضد هؤلاء الملوك الذين كانوا منهمكين في نفس الوقت ، في حرب مع قبيلة زناتة. فأضطروا للتفاوض مع هذا الرجل تاركين له حق التمتع بالحكم في إقليم تامسنه في حين يحتفظون هم بالسيادة على فاس ، وتعهد كل فريق بألا يزعج الآخر. وظل حاميم يحكم مدة خمس وثلاثين سنة. وظل خلفاؤه محتفظين بالإقليم قرابة مائة عام (٧). ولكن بعد أن أسس الملك يوسف ، مع قبيلته لمتونة ، مدينة مراكش (٨) حاول فورا أن يكون سيد هذا الإقليم ، أي تامسنه ، فأرسل إليه بضعة علماء مبشرين من أهل السنة في محاولة منه لانتزاع أهله من مروقهم ولاجتذابهم إليه دون أن يشهر عليهم حربا.
فاجتمع هؤلاء في مدينة أنفا (٩) مع أميرهم ، وهو حفيد الداعية المذكور ، وقرروا إعدام السفراء ونفذوا قرارهم. وعبأوا بعدئذ جيشا قوامه خمسون ألف محارب قاصدين طرد قبيلة لمتونة من مراكش ومن المنطقة كلها. وعندما علم يوسف بذلك انتابه أشد غضب انتابه في حياته. فجمع جيشا عظيما ولم ينتظر قدوم العدو إلى مراكش ، ووصل في خلال ثلاثة أيام إلى الإقليم بعد أن عبر نهر أم الربيع. وعندما رأى أهل تامسنه هذا الجيش الزاحف لمواجهتهم بحمية شديدة ، انتابهم الخوف ، وتحاشوا المعركة وعبروا نهر أبي الرقراق في اتجاه فاس ، تاركين إقليمهم. وحينئذ أباح الملك يوسف هذا الإقليم وسكانه لجيشه فأصبح طعمة للنار والدم والنهب والتقتيل للكبار والصغار حتى الأطفال الرضع.
__________________
(٦) ٩٣٥ م.
(٧) والحقيقة هي أن النبي الكاذب أبو محمد حاميم بز منّ الله ثار في منطقة طنجة بين عامي ٣١٣ و ٣١٥ ه / أي من ٩٢٥ إلى ٩٢٧ م. وابتداء من عام ٧٤٠ م ، أي بعد ثلاثين عاما من بداية الفتح الإسلامي ، حدثت بين بربر المغرب فتنة عامة كان فمعها عسيرا ، كما أن قبيلة بغوارته ، التي كانت تحتل آنئذ إقليم تامسنة ، لم تخضع مطلقا. وفي حوالي العام ٧٤٥ م تمكن زعيمهم صالح بن طريف أن يؤسس مذهبا إسلاميا بربريا منشقا انضمت إليه عشائر بربرية عديدة ودام هذا المذهب مدة تزيد على ثلاثة قرون.
(٨) يوسف بن تاشفين.
(٩) في موقع الدار البيضاء الحالية.