وفي خلال الأشهر الثمانية التي جاس فيها خلال البلاد عمل على تخريبها حتى لم يبق فيها سوى بعض أطلال من المدن التي كانت قائمة فيها. أضف إلى ذلك أن ملك فاس ، الذي بلغه نبأ قصد أهل تامسنه عبور أبي الرقراق زاحفين باتجاه فاس ، عقد هدنة مع قبائل زناتة واتجه نحو النهر المذكور على رأس جيش لجب. وهناك واجه ملك تامسنه البائس الذي كانت قواته منهوكة القوى تماما بسبب الجوع والبؤس. ولما حاول ملك تامسنة عبور النهر وجد الممر مسدودا في وجهه بتأثير قوات ملك فاس. وهكذا اضطر هؤلاء البؤساء بعد أن أصبحوا مطاردين ويئسوا من قضيتهم إلى التشتت في الغابات وبين الصخور التي يعسر اجتيازها. وبعد أن طوقوا وحوصروا من قبل الجيوش الملكية ، أبيدوا بثلاث طرائق : فبعضهم غرقوا فعلا في مياه النهر ، وبعضهم الآخر طوردوا في مناطق الجروف الصخرية فدقت أعناقهم بعد سقوطهم في القراغ ، وحتى الذين استطاعوا أن يخرجوا من الماء سقطوا في أيدي رجال الملك حيث قطعت رءوسهم بالسيف. وهكذا راح سكان تامسنه يتناقصون ثم أبيدوا قاطبة في مدة عشرة أشهر. ويقدر أن عدد الضحايا بلغ المليون بين رجال ونساء وأطفال. وعاد يوسف ملك لمتونة إلى مراكش كي يعيد تنظيم جيشه ضد ملك فاس وترك تامسنه مأوى للأسود والذئاب والبوم (١٠).
وظل إقليم تامسنه مهجورا مدة مائة وثمانين عاما حتى الزمن الذي عاد فيه المنصور من مملكة تونس (١١) وكان متبوعا ببعض أفخاذ قبائل عربية مع شيوخهم ومنحهم تامسنة مقرا
__________________
(١٠) يبدو هنا العرض ، الذي لا نجد أية وثيقة تاريخية تؤيده ، يبدو كأنه عبارة عن سرد مسجل نقلا عن وثيقة ما مجهولة أو ربما كان استنادا إلى حديث شفوي يعطينا عنه الكاتب البرتغالي المجهول الاسم ، في آخر القرن السادس عشر ، رواية مماثلة تقريبا. ومن المقبول أن نفترض بأن هذا النص يتعلق بالحملة التي تابعها أمير لمتونة أبو بكر بن عمر قائدها العسكري ضد قبيلة برغواطة المارقة عن الإسلام ، وذلك بتحريض الزعيم الديني للمرابطين عبد الله بن ياسين. وقد كان المرابطون سادة أغمات منذ عام ١٠٥٧ م وجعلوا من هذه البلدة قاعدة لعملياتهم. وبعد غارة على تادلة هاجموا تامسنة. وقد قتل في هذه المعركة عبد الله ياسين في ١٩ تموز ١٠٥٨ م على ضفاف وادي كريفله. وبعد عام تقريبا تعرض خلفه لنفس المصير. وبعد أن قام أبو بكر بتخريب أقليم تامسنة كليا عاد إلى أغمات التي غادرها في آذار (مارس) ١٠٦٠ م ليقوم بغارة بلغت ضواحي فاس. ومهما كانت صحة هذه القصة فليس من المحتمل إطلاقا أن يكون الأمير حاكم فاس قد تدخل في هذه المعركة ضد برغواطة. وفي عام ١٠٥٨ م كان أميرها يدعى دوناس ، من عشيرة بني خازر ، من فرع مغوارة ، وهي فخذ من زناتة ، وكانت فترة حكمه فترة ازدهار. وعلى أثر وفاته عام ١٠٥٩ م حل مكانه ابنه الفتوح الذي كانت له منازعات خطيرة مع أخيه أجيزا. ولم تكن إمارة فارس مهددة. وعلى خلاف ذلك فإن من الممكن أن يكون المرابطون قد تلقوا دعما ضد برغواطة المارقين عن الإسلام من أمير شلة (سلا الحالية) ، يوسف بن حماد ، وهو أيضا من زنانة ولكن من عشيرة بني إيفران. وهذا يفسر معركة أبو الرقراق بشكل أفضل.
(١١) في عام ١١٨٨ م أو ٥٨٠ ه أي بعد مائة وثلاثين عاما بعد الحملة المرابطية على قبيلة برغواطة.