وبعد هؤلاء الباعة يأتي أولئك الذين يبيعون الزيت ، والسمن المالح ، والعسل ، والجبن الطازج والزيتون والجزر والقبّار المصبّر (١٤٧). ولهؤلاء دكاكينهم المليئة بالأوعية المصنوعة من الخزف المايورقي ومن أدوات قيمتها أكبر من محتواها من البضاعة. وتباع جرار السمن والعسل بالمزاد ، والمنادون هم حمّالون مختصون يكيلون الزيت عندما يبيعونه بالجملة. واستيعاب هذه الجرار هو مائة وخمسون رطلا ، والخزافون ملتزمون بصنع أوعيتهم على قدر هذا المحتوى بالضبط. ويشتري رعاة المدينة منهم هذه الأوعية ويملئونها ثم يعيدون بيعها في فاس.
وعلى مسافة قريبة يوجد الجزارون الذين يشغلون أربعين دكانا مرتفعة نوعا ما ومبنية على هيأة دكاكين الحرف الأخرى. ويقومون هنا بتقطيع اللحم وبوزنه في الموازين. هذا ولا تذبح الحيوانات في دكاكين الجزارة ، بل في مسلخ يقع بجوار النهر ، حيث يتم سلخها ثم تحمل الى الدكاكين بواسطة حمّالين ملحقين بالمسلخ. ولكن قبل أن يتم نقلها يقتضي الأمر عرضها على رئيس الأمناء ، أي المحتسب ، الذي يتفحصها ويصدر نشرة يكتب عليها السعر الذي يجب ان يباع اللحم بموجبه ، وعلى الجزار أن يلصق هذه النشرة على اللحم بحيث يستطيع كل الناس ان يروها وأن يقرءوها.
ونجد بعد الجزارين سوق الأقمشة الصوفية الغليظة البلدية. ويتألف هذا السوق من مائة دكان. وإذا جلب أحدهم قطعة قماش بقصد بيعها ، عليه أن يعطيها للمنادي الذي يضعها على كتفه ويذهب من دكان لآخر مناديا على الثمن (*). وفي هذا السوق ستون من هؤلاء المنادين. ويبدأ هذا البيع العلني في الظهيرة وينتهي في ساعة متأخرة من المساء. ويتقاضى المنادي بيوكشين (١٤٨) عن كل دينار. ويجني باعة هذا الصنف أرباحا طيبة.
ثم يأتي شاحذو الاسلحة من سيوف وخناجر وحراب ... الخ ، ويقوم بعضهم بصقلها ثم بيعها.
وبعد هذا نجد الصيادين الذين يصطادون أسماكهم من نهر فاس ومن النهر الواقع في ضواحيها وهو نهر سبو وهم يبيعون اسماكا كبيرة وجيدة جدا بثمن متواضع ، أي ثلاثة
__________________
(١٤٧) «أي المحفوظ بالملح أو بالخل ويطلق على الأطعمة المحفوظة في المغرب عبارة الاطعمة المصبّرة» (المترجم).
(*) وهو ما يسمى في المشرق العربي الحراج أو المزاد.
(١٤٨) أي ١٤ سنت ذهب.