على خلاف توقعات ملك البرتغال ، استطاع ملك فاس ان يعقد هدنة مع المتمرد المذكور وأرسل أحد مستشاريه للدفاع عن طنجة على رأس جيوش كبيرة. فاستطاع هذا أن يلحق الهزيمة بالبرتغاليين وقتل القسم الأكبر منهم ، وكان في عداد هؤلاء قائد الجيش الذي نقلت جثته ضمن تابوت إلى فاس حيث عرض على الجمهور في مكان عال كي يراه كل الناس(٣٤٦).
ولقد حشد ملك البرتغال ، الذي سخط من هذه الهزيمة ، حشد بعد قليل اسطولا آخر انهزم بدوره كسابقه بعد أن تعرض لخسائر جسيمة ولأضرار فادحة ، علما بأن البرتغاليين اقتحموا المدينة في اثناء الليل وعلى حين غرة (٣٤٧). ولكن ما غجز عنه ملك البرتغال عن طريق القوة ، ناله في نهاية المطاف حينما أراد له الحظ ذلك ، وذلك بالاتسعانة ببعض الجنود وبدون اراقة للدماء ، كما ذكرنا ذلك آنفا.
والحقيقة هي أن محمد ملك فاس كان مصما على استرداد هذه المدينة ، ولكنه لم يفلح في ذلك ، لأن البرتغاليين كانوا يذودون عنها دوما بنشاط وحيوية وحماس. وقد ذهبت إلى طنجة ضمن هذه الحملة في عام ٩١٧ هجرية (٣٤٨).
__________________
(٣٤٦) في شهر آب (أغسطس) ١٤٣٧ م أرسل الملك ادوار الأول ولده دوم فرناندو على رأس حملة ضد طنجة. وتذكر بعض النصوص أن ولي عهد المملكة ، وهو أبو زكريا يحيى الوطّاسي ، الذي كان الملك الفعلي في بداية عهد السلطان عبد الحق ، كان حينئذ على رأس جيش كبير كان يقوده في اتجاه تافيلالت. وبعد أن قطع مسافة ثلاثة أيام مبتعدا عن فاس ، انكفأ راجعا واندفع نحو طنجة حيث أذاق البرتغاليين هزيمة دموية واضطروا للتسليم. وقد احتفظ بدوم فرناندو رهينة ، ولما رفض الملك ادوار تسليم سبتة والتصديق على التسليم ، اقتاد ابن الملك أسيرا إلى فاس. ثم وضع في صندوق من خشب عرض فوق أعالي سور فاس الجديد ، ثم اخضع لأنواع من التعذيب الى ان مات في ٥ حزيران (يونية) ١٤٤٣ م. وقد ادمج تابوته في سور المدينة القديمة بعد عرضه على الناس. ولكن بعد سقوط اصيلا في عام ١٤٧١ ، جاء ابن ابو ذكريا يحيى ، وهو محمد الشيخ ليتفاوض مع البرتغاليين في شأن بعض افراد من اسرته سقطوا اسرى في اصيلا ، والشروط التي يتفق عليها لاطلاق سراحهم ، فاحتفظ البرتغاليون بولده محمد ، ولكنهم ردوا له زوجته وابنته مقابل جثمان دوم فرناندو : «الولد المقدس».
(٣٤٧) ذهب الملك الفونس الخامس بنفسه في شهر كانون الأول (ديسمبر) ١٤٦٣ م في حملة على طنجة. وقد كانت هذه الحملة كارثة. فقد أدى الهجوم على طنجة في ٢٠ كانون الثاني (يناير) ١٤٦٤ م وهبوب عاصفة في أثناء ذلك الهجوم ، أدى هذا وذاك إلى وقوع خسائر جسيمة. كما ان محاولته بعد ذلك الدخول في عراك في الأرياف وهو منطلق من سبتة لم تكن أكثر نجاحا. وهكذا اضطر الفونس الخامس للعودة إلى البرتغال.
(٣٤٨) لقد سرد مارمول تفاصيل تلك المحاولة ضد طنجة في عام ١٥١١ (١٦٦٧ م ، ج ٢ ، ص ٢٣٠) ولكن تامبررال (طبعة ليون ١٥٥٦ م ، ص ١٩٨) لا يتعرض لوجود الحسن الوزان في هذه الحملة.