رجلا اسمه عبد الواحد ، وأصله من أشبيلية ، من بلاد غرناطة. فأرسله إلى تونس مزوّدا بالصلاحيات المطلقة. فوصل هذا إلى تونس على رأس خمس وثلاثين سفينة كبيرة. فوجد المدينة شبه مدمرة على أيدي العرب (٩٩). وبفضل شدة حذره وفصاحته الأخاذة ، استطاع أن يسنوي الأمور ، ووطد الدولة وحصّل الضرائب من كل البلاد (١٠٠). وأعقب هذا الرجل ولده أبو زكريا (١٠١) الذي فاق والده في المهارة السياسية والذكاء. وبني في تونس ، في الجزء الأكثر ارتفاعا من المدينة ، أي في الغرب ، بنى قلعة كبيرة مع قصور بديعة من داخلها ، وجامعا جميلا ذا منارة عالية امتازت هي أيضا بإتقان بنيانها الفائق (١٠٢).
وذهب أبو زكريا في حملة عسكرية حتى طرابلس ، وعاد عن طريق بلاد الجنوب واستلم ضرائب هذه المناطق ، حتى لقد ترك عند وفاته أموالا ضخمة في الخزينة (١٠٣) وبعد موت أبي زكريا (١٠٤) خلفه أحد أبنائه (١٠٥) وكان شابا متغطرسا لم يرض لنفسه الاعتراف بالتبعية لملوك مراكش الذين أخذت بوادر انحطاط أسرتهم في الظهور (١٠٦).
__________________
(٩٩) بعد أن نودي بالناصر ملكا في ٢٢ كانون الثاني (يناير) ١١٩٩ م قرر حوالي العام ١٢٠٢ م أن يذهب لتوطيد الامن في شرقي امبراطوريته وبعد أن وصل الى مدينة الجزائر ؛ أرسل أسطولا ضد جزيرة مايورقة ، وهي مركز امارة بني غانية من المرابطين ، وربما ذهب إليها بنفسه وسقطت مايورقة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) ١٢٠٣ م ، وجاء الأسطول المذكور بعدئذ لاستخلاص تونس ، فهرب ابن غانية. ولاحقه الناصر وحاربه بأفضل قواده ، وهو الشيخ أبو محمد عبد الواحد ، الذي لم يكن اشبيليا ، بل ابن تلميذ شهير وقائد من قواد المهدي بين تومرت ، واسمه أبو حفص عمر الهنتاتي. ولم يغادر الناصر مدينة تونس إلا في أيار (مايو) ١٢٠٧ م ، تاركا فيها حاكما من قبله هو عبد الواحد ، الذي دخل اليها في ١٢ أيار (مايو).
(١٠٠) كان عبد الواحد واليا على تونس ابتداء من ١٢ أيار (مايو) ١٢٠٧ حتى وفاته في ٢٥ شباط (فبراير) ١٢٢١ م.
وقد كان واليا ممتازا.
(١٠١) في الحقيقة تقلد أبو زكريا يحيى وظيفة والي تونس في حزيران (يونية) ١٢٢٨ م ، ولكنه تملص شيئا فشيئا من طاعة خليفة مراكش الموحدي ، وفي ١٢٢٦ م نادى بنفسه أميرا مستقلا.
(١٠٢) بنيت القصبة في أيام الأغالبة ، في القرن التاسع الميلادي ، ولكن أضيفت لهذه القصبة ، بعض الأبنية ، وشيد جامعها في عام ١٢٣٢ م.
(١٠٣) عمل أبو زكريا منذ بداية حكمه على مطاردة يحيى بن غانية حتى واحة ورقلة في الصحراء الجزائرية. ولكن هذا مات بصورة غامضة سنة ١٢٣٤ م ، وقد كان ازدهار المملكة الجديدة عظيما بفضل مهارة هذا الملك. وقد استمرت الأسرة الحفصية التي أسسها حتى ١٣ أيلول ١٥٧٤ م ، «أي الى اليوم الذي سقطت فيه تونس بيد الأتراك العثمانيين» (المترجم)
(١٠٤) في ٩ تشرين الأول ١٢٤٩ م.
(١٠٥) أبو عبد الله محمد.
(١٠٦) في شهر شباط (فبراير) ١١٥٣ اتخذ أبو عبد الله لنفسه لقب الخليفة أمير المؤمنين وكان عمره ستا وعشرين سنة. ـ