وفي هذه الأثناء أخذ بنو مرين يحكمون مناطق فاس في حين كان بنو زيان قد فرغوا من تأسيس مملكتهم في تلمسان. كما ثارت بلاد الأندلس هي أيضا على ملوك مراكش وطردت حكامهم من شبه الجزيرة. وفضلا عن ذلك ، أصبحت. السلطة في مراكش هدفا للمنازعات والمؤامرات ، فإبن الأخ يحارب عمه والأب ضد ابنه. وعندها شعر ملك تونس بقوته ، فقاد حملة ضد تلمسان على رأس جيشه. ففرض الجزية على ملك تلمسان (١٠٧). وما إن علم بذلك الملك المريني الذي كان حينئذ في حملة ضد مراكش ، حتى أرسل له هدايا جزيلة وأوصاه بنفسه وبمملكته خيرا. ورضي ملك تونس بذلك واعتبره صديقا ، مع النظر إليه دوما على أنه دونه (١٠٨). ولما قفل الملك راجعا إلى تونس مكللا بالنصر دخلها احتفال كبير ونادى بنفسه ملكا على إفريقيا. وأخذ في تنظيم بلاطه الملكي مستعينا بالكتاب والمستشارين وبقائد عام. وطبق كل مراسم الاحتفالات التي كانت دارجة عند ملوك مراكش (١٠٩).
ومنذ ذلك الوقت حتى عصرنا ، لم تنفك تونس عن التزايد في السكان وفي الامتياز على سواها ، حتى أصبحت أكثر مدن أفريقيا لمعانا.
وعلى أثر وفاة هذا الملك ، شيد ابنه الذي حظي بالتاج الملكي ، أربعة ارباض حول تونس (١١٠). فبنى أحد هذه الأرباض في خارج الباب المسمّى باب سويقة ، وكان يضم ثلاثمائة أسرة. وأقيم ثان في خارج باب المنارة وكان يحوي قرابة ألف أسرة.
__________________
ـ ولم تكن سلطة خليفة مراكش ، المرتضي ، الذي نودي به في حزيران (يونية) ١٢٤٨ م ، تمتد لأكثر من المسافة الواقعة بين سلا والسوس ، وظل خمسة أعوام لا يجرؤ على الخروج من عاصمته مراكش خوفا من المرينيين. أما في المشرق فلم يكن لخليفة بغداد السني أي ظل من السلطة. ومات آخر خليفة عباسي وهو المستعصم بصورة بائسة بعد عدة أيام من استسلامه لهولاكو في ١١ شباط (فبراير) ١٢٥٨ م ، أي في نفس السنة التي سقطت فيها قرطبة بيد الأسبان ، وأطلق هولاكو العنان لجنوده المنغول في ١٤ شباط (فبراير) لتذبيح مسلمي بغداد ولتدمير عاصمة الخلافة.
(١٠٧) تعود هذه الحملة إلى زمن أبي زكريا في سنة ١٢٤٢ م. فقد استلم يغمراسن بن زيان السلطة في تلمسان في شهر آب (أغسطس) عام ١٢٣٦ م ، ولكن مع الاعتراف نظريا بسلطة خليفة مراكش. وفي تموز (يولية) ١٢٤٢ م وصل أبو زكريا الى أبواب تلمسان مع قوات كبيرة فنهب المدينة ورد الملك الجديد إلى جادة الصواب.
(١٠٨) لم يحاول بنو مرين شيئا في ذلك الوقت ضد حكومة مراكش. حتى إن أميرهم أبو معرّف محمد لم يكن يحمل بعد لقب ملك ، ولكن بعد ستة عشر عاما من ذلك اتخذ أخوه يعقوب بتاريخ ٣٠ تموز (يوليه) ١٢٥٨ م لقب ملك.
(١٠٩) كان ملوك الأسرة الحفصية يعتبرون أنفسهم موحدين شرعيين.
(١١٠) نودي بأبي زكريا يحيى الواثق ملكا يوم ١٧ أيار (مايو) ١٢٧٧ م بعد ساعات من وفاة والده. واضطره الخليفة أبو عبد الله المنتصر للتنازل في آب (أغسطس) ١٢٧٠ م ، ولا يوجد نص يؤدي المعلومات الواردة أعلاه.