وهذان الربضان مليئان بعدد لا يحصى من الصناع والصيادين والعطارين .. الخ. وكان يقوم في الربض الأخير حي منفصل يؤلف بنفسه نوعا من ربض صغير ، وهنا يقيم نصارى تونس المستخدمون في حرس الملك أو من الذين يمارسون مهنا لم يألف المسلمون ممارستها. وبعد ذلك تشكل ربض آخر في خارج باب البحر ، أي باب البحرية ، الواقع على مسافة نصف ميل تقريبا من بحيرة حلق الواد. ويقيم التجار الأجانب كالجنويين (أهل جنوة) والبنادقة والقطالونيين في هذا الربض ولهم فيه فنادقهم ومخازنهم على حدة. وهذا الربض على درجة من الاتساع إذ يحوي حوالي ثلاثمائة أسرة بين نصارى ومسلمين.
ومدينة تونس جميلة جدا ودقيقة التنسيق. فلكل جماعة مهنية موضعها الخاص بها. وفضلا عن ذلك فهي مدينة مزدحمة بسكان متكاثفين تكاثفا كبيرا. وغالبية سكان تونس من الحاكة. وتصنع فيها كمية كبيرة من الأقمشة المتقنة كل الإتقان والتي تباع في كل إفريقيا. وهي مرتفعة السعر كثيرا لأنها ناعمة ومتينة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن النساء يتقن مهنة الغزل كل الإتقان. وللقيام بذلك يجلسن فوق مقعد مرتفع نوعا ما ويدعن مغزلهن يتدلى كثيرا ، فيقعدن مثلا في نافذة ويتركن المغزل ينزل إلى صحن البيت ، أو ينزل من ثقب مفتوح في أرضية البيت بين كل طابق وآخر. ونظرا إلى ثقل المغزل يبرم الخيط المشدود برما قويا بصورة جيدة وعلى ثخانة منتظمة.
وهناك سوق خاص في تونس يحوي عددا كبيرا من تجار القماش. ويعتبر هؤلاء أكثر أهل المدينة ثراء. ويشغل تجار آخرون وصناع معهم هذا السوق ، كالعطارين وباعة الأشربة والترياقات (١١١) وباعة العطور والحرير والخياطين والسراجين والفرائين ، وباعة الفاكهة ، والحلابين ، وصناع الزلابية ، والقصابين الذين يذبحون في فصلي الربيع والصيف من الخراف أكثر من سائر الحيوانات الأخرى. وثم مهن كثيرة أخرى تمارس في هذا السوق لا يتسع المقام لذكرها.
وأهل تونس طيبون للغاية ومحببون كثيرا. ويلبس صناعها وتجارها وأئمتها وجميع موظفيها هنداما جميلا لائقا. ويضعون فوق رءوسهم قلنسوة مغطاة بقماشة طويلة. كما يضع العسكريون وموظفو البلاط قلنسوة أيضا ولكن بدون قماشة. ولا
__________________
(١١١) مستحضرات من مساحيق طبية مغلفة بشراب من السكر أو العسل.