يوجد الكثير من الأغنياء ، بسبب ندرة القمح لأن سعره في داخل البلد يقارب ثلاثة أضعاف سعره في البلاد المصدرة له ، أي اربعة دنانير ايطالية. ويرجع السبب في ندرته الى أن السكان لا يستطيعون زراعة الأراضي المجاورة بسبب السلب الذي يقوم به العرب. فالقمح يجلب من بعيد ، من الأربص ومن باجة ومن عنابة بشكل خاص. (ولاضطرار الناس لشراء القمح بهذا السعر المرتفع لا يوجد كثير من الأغنياء في هذا البلد) غير أن لدى بعض سكان المدينة أملاكا زراعية صغيرة بجوار المدينة يزرعونها قمحا وشعيرا. وتحتاج هذه الأراضي للري ، ولهذا يوجد في كل مزرعة بئر يستخرج الماء منه بسواق مبنية بناء فنيا دقيقا. ويرسل إليها الماء بواسطة آلة مركبة من دولاب يديره بغل أو جمل (١١٢) كي تروي المزروعات. فلا يمكن مع ضيق المساحة وكثرة هذه النفقات اللازمة للري وتسوير الضيعة وصيانتها أن يحصل منها صاحبها على غلة يعتد بها فلا يستطيع شخص ما أن يجني من ضيعته ما يكفيه لنصف العام.
ولكن مع هذا يوجد خبز ظريف جدا في تونس ، وهو أبيض اللون ومخبوز بشكل حسن. وهو لا يصنع من الدقيق فحسب بل يمزج معه السميد. وتبذل عناية كبيرة في صنع هذا الخبز ، ولا سيما لتحضير العجين الذي يضرب بمدقة شبيهة بتلك التي يضرب بها الأرز في مصر. ومن عادة الباعة والصناع وسكان المدينة أن يتناولوا في النهار وجبة خفيفة مؤلفة من دقيق الشعير المحلول بالماء ، وله قوام الصمغ ويوضع فيه قليل من الزيت أو شيء من عصير الليمون أو البرتقال. وتبلع هذه العجينة نيئة بدون مضغ. وتدعى البسيس ، وهي كريهة المذاق. ويوجد سوق لا يباع فيه سوى دقيق الشعير لصنع البسيس. وهناك غذاء من نفس النوع ولكنه أفضل كثيرا. تضنع عجينة خفيفة ، ثم تغلى في الماء ، وبعد أن تنضج تعجن في وعاء ثم ترص في وسط الإناء ، وبعد أن تسقى بالزيت أو بمرق اللحم ، تبلع دون مضغ. وهذا ما يسمى بالبازين (١١٣). وهناك وجبات أخرى أكثر لذة في الطعم وأكثر عناية.
هذا ولا يوجد أي طاحون يحرك بالماء ، لا في تونس ، ولا في خارج المدينة. فكلها تدار بالحيوانات. وينتج عن هذا أن الطاحون لا يكاد يطحن أكثر من حمل قمح في اليوم إلا بصعوبة. ولا يوجد في تونس نبع ، ولا نهر ولا بئر ، بل تستخدم خزانات
__________________
(١١٢) أي الناعورة.
(١١٣) البازين والبسيس هما وجبتان معروفتان جدا في الأرياف التونسية الليبية (المترجم).