القيروان (١٣٣). وقد بناها على ساحل البحر المتوسط فوق نتوء صخري. وأحاطها بأسوار عالية قوية ، مع أبراج ضخمة وأبواب مصفحة بالحديد. كما يحتمي الميناء أيضا بصورة محكمة بواسطة أسوار جيدة.
وقد وصل المهدي إلى هذه المنطقة بثياب حاج ، وحظي بترحيب السكان متظاهرا بأنه من نسل الرسول. وتوصل بعون من الشعب إلى أن ينادي بنفسه الخليفة المهدي للحصول على حظوة أكبر. ثم راح يجبي الضريبة في بلاد نوميديا الواقعة على مسافة أربعين ميلا الى الغرب من القيروان. ولكنه وقع بيد أمير سجلماسه الذي رمى به في السجن. ولكن الأمير تأثر بالشفقة عليه ، فردّ عليه حريته ، وعرفانا منه بالجميل ، قام المهدي بقتله (١٣٤). ومارس المهدي بعدئذ سلطة طاغية ، حتى أن الشعب ائتمر بقتله (١٣٥).
وحينئذ ظهر داعية يسمى أبا يزيد الملقّب فارس الحمار ، لأنه كان يركب حمارا
__________________
(١٣٣) الخليفة الفاطمي عبيد الله المهدي.
(١٣٤) في الحقيقة لقد اقضّت الحركة الفاطمية في القرن التاسع مضاجع الخلفاء العباسيين لأن دعاتها المتحمسين انتشروا في كل العالم الاسلامي ، ولأن احدهم ، وهو أبو عبد الله ، الذي استقر سنة ٨٩٣ م في ايكجان ، شمال ستيف ، استطاع أن يثير قبيلة كتامة الكبرى وتمكّن من تحريضها وتحريض جميع أهل المنطقة على الثورة السافرة ضد أمراء القيروان الأغالبة. أما المهدي عبيد الله ، الذي كان يدعى له بوصفه إماما ومهديا منتظرا ، فإنه بعد أن غادر المشرق عام ٩٠٢ م اختبأ في مصر ، ومع أنه كان مطاردا ملاحقا ، فقد استطاع أن يلحق بالمغرب ، وذلك أنه سافر متخفيا بزي تاجر خوفا من التنكيل بأسرته. وتحاشى الذهاب بقصد اللحاق بكتامة رهط أبي عبد الله وانتظر بضعة أعوام نتيجة الأحداث في سجلماسة التي كانت حينئذ عاصمة مزدهرة ، وعاصمة أمير خارجي لا يعترف بسلطة خليفة بغداد ، وبعد أن لقي ترحيبا طيبا ألقى به في السجن لأن هذه الحركة الفاطمية الشرقية أصبحت شيئا فشيئا مزعجة بالنسبة للملوك المستقلين الذين كانوا يحكمون في الغرب. وفي نيسان (ابريل) ٩٠٩ م هزم الداعية ابو عبد الله أمير قيروان الأغلبي ، زيادة الله ، ثم ذهب نحو الغرب ، على رأس رجال من قبيلة كتامة ، الملتهبين حماسا نتيجة انتصارهم ، وقضى على الاسرة الرستمية في تاهرت ، وهزم أعداءه أمام سجلماسة واطلق سراح عبيد الله الذي نادى بنفسه إماما. وقد قتل أمير سجلماسة في المعركة ، واصطحب أبو عبد الله معه عبيد الله إلى رقادة قرب القيروان ونادى به خليفة مع لقب المهدي في كانون الأول (ديسمبر) ٩٠٩ م.
(١٣٥) يبدو أن الخلافة الفاطمية قد برهنت في البداية على درجة عالية من الحرية ، في حين يبدو أن الإسلام كما فهمه البربر في القرون الأولى كان شديد التزمت. وكان عبيد الله يطمع في المشرق. فابتداء من عام ٩١٣ م وبينما كان يجهز أول حملة ضد مصر ؛ أخذ يبحث عن نقطة في الساحل يستطيع أن يستقر فيها في طمأنينة لكي يكون لديه نافذة بحرية مفتوحة على المشرق. وابتدأت أعمال بناء المهدية في ٦ حزيران (يونية) ٩١٦ م وما أن تم بناء أسوار القصبة حتى غادر عبيد الله رقادة. التي تخربت بعد قليل ، وجاء ليقيم في المهدية نهائيا.